للمرة الخامسة والثلاثين منذ إقرار التعددية الحزبية في تركيا عام 1945 وإجراء أول انتخابات عام 1946، توجه الناخبون الاتراك امس الأحد الى صناديق الاقتراع لانتخاب اعضاء البرلمان ومجالس المحافظات، والمجالس البلدية والاختيارية. و توقفت الحملات الدعائية وحظر نشر أي تكهنات بالنتائج قبل اقفال صناديق الاقتراع في الخامسة بعد ظهر امس بالتوقيت المحلي. وتوجب على الناخب استخدام أربعة مظاريف مختلفة الألوان لاختيار ممثليه في تلك المجالس. وبلغ عدد المرشحين للبرلمان عشرة آلاف، سيجري انتخاب 550 منهم. ووضعت قوات الأمن والجيش في حال تأهب في أنحاء البلاد للحؤول دون أي محاولة للاخلال بالأمن خصوصاً بعد انتشار موجة عنف اثر اعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان. ويتوقع ان يحقق حزب الفضيلة الإسلامي تقدماً في مناطق وسط البلاد واسطنبولوأنقرة، في مقابل تقدم حزب اليسار الديموقراطي بزعامة رئيس الوزراء بولند أجاويد في مناطق أزمير وايجه وزونفولداق. لكن النتائج في جنوب شرقي البلاد تبدو محسومة سلفاً لمصلحة حزب الشعب الديموقراطي الذي يمثل وحده الأكراد. ولن يستفيد الحزب في الانتخابات اذا لم يتجاوز نسبة عشرة في المئة الضرورية للتمثل في البرلمان، لكنه سيسيطر على المجالس البلدية في المناطق الكردية، واضعاً الدولة أمام تحد حقيقي. وتوزعت ترشيحات زعماء الاحزاب بين ريزه مسعود يلماز وملاطيا رجائي كوتان واسطنبول بولند أجاويد وتانسو تشيلر وانتاليا دينيز بايكال وعثمانية دولت باغجلي. وبرز من المرشحين المستقلين عن مدينة ملاطيا، أحمد أوزال نجل الرئيس الراحل تورغوت أوزال الذي أحيى أنصاره أول من أمس الذكرى السادسة لوفاته. "حرب النجوم" في اسطنبول واستقطبت مدينة اسطنبول كالعادة، اهتمام المراقبين، إذ فيها ستة ملايين ناخب، أي سدس ناخبي تركيا، اختاروا 69 نائباً، أي حوالي ثمْن أعضاء البرلمان البالغ عددهم 550 نائباً. واسطنبول هي القلب النابض للاقتصاد والإعلام والسياحة في تركيا، والهيئات التي ستمثلها خصوصاً على الصعيد البلدي، ستعكس وجه تركيا الحضاري. لكن أهمية اسطنبول الانتخابية، تتمثل كذلك في أنها المكان الذي تتنافس فيه وجهاً لوجه أبرز قيادات الاحزاب، بحيث اطلق على المعركة الانتخابية فيها "حرب النجوم". وتنقسم اسطنبول الى ثلاث دوائر انتخابية. وفي الدائرة الأولى يتنافس المرشحون على 24 مقعداً نيابياً، وتضم الشطر الآسيوي منها. ورشّح فيها مسعود يلماز مجموعة من فريقه المقرب منه. ويتوقع احد قادة حزب "الوطن الأم" بزعامة يلماز ان يربح الحزب ثمانية مقاعد على الأقل، فيما يعتقد رئيس لائحة "الطريق القويم" بزعامة تشيلر خيري قازاقجي أوغلو ان ينال حزبه أكثر من ثلاثة مقاعد. لكن الأنظار ستكون موجهة الى أجاويد، الظاهرة الظاغية في الحملة الانتخابية الذي يتصدر لائحة حزبه ومعه بعض الوزراء والنواب السابقين. ويتوقع الأخير ان تحرز لائحته نجاحاً كبيراً بفضل وجود أجاويد في هذه الدائرة. وتنافس أجاويد وغيره في هذه الدائرة لائحة مثيرة من مرشحي حزب "الفضيلة" يتقدمهم آيدن مندريس نجل عدنان مندريس، رئيس الحكومة السابق الذي أعدم عام 1961، وفي هذه الدائرة أيضاً أحد القدامى في الفضيلة وهو سليمان عاكف ايمري. وتتركز الأنظار كذلك على مروى قافاقجي، المرشحة المحجبة عن حزب "الفضيلة" وفرصها في الفوز كبيرة جداً اذ تحتل المرتبة الرابعة في لائحة الحزب. وبخلاف وضع حزب الحركة القومية الواثق من نجاح ثلاثة نواب له عن هذه الدائرة، تبدي أوساط حزب الشعب الجمهوري قلقها على وضع الحزب، خصوصاً وان الأصوات التي ستنالها أحزاب يسارية مثل حزب الحرية والتضامن وحزب الشعب الديموقراطي وحزب السلام ستأخذ من طريق حزب الشعب الجمهوري الذي يعتمد على شعبية مرشحه الموسيقي المعروف زلفي ليفانيلي. وفي الدائرة الثانية التي تضم مناطق مثل باي اوغلو وبشيكتاش والفاتح وبيرم باشا وأمين اينو وغازي عثمان باشا وشيشلي وصارير وهي مناطق تنبض بالحركة التجارية والسياحية والثقافية، فإن كفة حزب الفضيلة هي الراجحة. ويتطلع الفضيلة الى الفوز بثمانية من أصل مقاعدها الواحد والعشرين. ويتصدر لائحته في هذه الدائرة الكاتب الصحافي قفزات يالتشين طاش، في حين يبدو سعدالدين تانتان، رئيس بلدية الفاتح، الورقة الرابحة في يد حزب الوطن الأم. كذلك يتطلع حزب اليسار الديموقراطي الى رفع عدد نوابه الحاليين عن هذه الدائرة من أربعة الى ستة أو سبعة. وتتساوى قوة الطريق القويم والوطن الأم واليسار الديموقراطي في هذه اللائحة مع تنام ملحوظ في قوة حزب الحركة القومية. وإذا كانت الدائرة الثانية تفتقد الى "نجوم" مثل الدائرة الأولى، فإن الدائرة الثالثة تشهد وجود إحدى أهم "نجمات" تركيا في الأعوام الأخيرة وهي زعيمة الطريق القويم تانسو تشيلر. وتضم الدائرة الثالثة مناطق في الشطر الأوروبي من اسطنبول مثل بكيركوي وتشاتالجا وسيليفري. وتقدم 24 نائباً ينتخبهم مليونا ناخب. وعلى رغم جاذبية تشيلر، فإن الأولوية في هذه الدائرة هي لحزب الفضيلة حيث يتقدم لائحته اثنان من أبرز قادته وهما عبدالقادر آقصو وعلي جوشكون، من خريجي "المدرسة الأوزالية" قبل انضمامهما الى حزب الرفاه فحزب الفضيلة. كما تضم لائحة الفضيلة الصحافية المعروفة نازلي ايليجاق التي تحتل المرتبة الثالثة في لائحة الحزب، ما يعني ان فوزها مؤكد لتكون احدى أولى النائبات عن حزب الفضيلة، مع زميلتها في أنقرة أويا آق غونينتش والمرشحة المحببة مروى قافاقجي. وتتوقع أوساط الفضيلة الفوز بثمانية مقاعد في هذه الدائرة. وإذ يبدو اليسار ضعيفاً بعض الشيء في هذه الدائرة فإن الملفت هو الحضور القوي لحزب الشعب الديموقراطي الكردي. بلدية من دون اردوغان أما على صعيد الانتخابات البلدية في اسطنبول فافتقدت الحملة الانتخابية هذه المرة، احد أكثر الوجوه دينامية وحركة ونشاطاً، لا في اسطنبول وحدها بل في كل تركيا، وهو رجب طيب اروغان الذي حكم عليه بالسجن أربعة أشهر وعزل من رئاسة البلدية قبل اشهر واتهم بإلقاء أبيات من الشعر تثير حسب المدعي العام، الكراهية والبغضاء. لكن "ظل" اردوغان يخيّم على حملة خلفه مرشح حزب الفضيلة علي مفيد غورتونا. ونشرت صحيفة "يني شفق" المقربة من حزب الفضيلة، حديثاً أول من أمس مع اردوغان يدعو فيه الى مواصلة الطريق مع غورتونا الذي انفصل عن حزب الوطن الأم وانضم الى الرفاه عام 1994 وانتخب نائباً لاردوغان ثم حل محله بعد عزله قبل اشهر. ويبدو أن المنافس الأقوى لعلي مفيد غورتونا، علي آخر هو النائب عن حزب الوطن الأم ورئيس بلدية بكير لحوي السابق في اسطنبول، علي طالب اوزده مير الذي يقارب غورتونا في العمر 46 عاماً. وحل اوزده مير في اللحظة الأخيرة مكان سعدالدين ثانتان لحسابات لا يعرفها الا رئيس الحزب مسعود يلماز. أنقرة: صراع "الرئيسين" قبل خمسة أعوام فاز مرشح حزب الرفاه مليح غوكتشيك برئاسة بلدية عاصمة الجمهورية، بنسبة 28 في المئة من الأصوات، على منافسه مرشح الحزب الاجتماعي الديموقراطي الشعبي. ونال غوكتشيك 393 ألف صوت متقدماً على منافسه بستة آلاف صوت فقط. الآن يعود التنافس من جديد بين مرشحي الفضيلة ومرشح حزب الشعب الجمهوري الذي انضم اليه الحزب الاجتماعي الديموقراطي الشعبي. والمتنافسان رئيسان لبلدية انقرة: واحد سابق وهو مراد قره يالتشين 1989 - 1994 وواحد حالي، هو مليح غوكتشيك 1994 - 1999. ولولا الظهور المفاجئ ل"ظاهرة أجاويد" لكان من الممكن ان ينسحب مرشح أجاويد دوغان طاش ديلين لمصلحة مرشح حزب الشعب الجمهوري قره يالتشين أو على الأقل، تصويت قسم من مؤيدي أجاويد للأخير، ولكان حسم قره يالتشين المعركة لمصلحته سلفاً. لكن حزب الفضيلة ما زال يواصل الاستفادة من انقسامات اليمين واليسار على حد سواء. وعلى هذا تبدو حظوظ مليح غوكتشيك أوفر من تلك التي لقره يالتشين. ولا أمل لمرشحي حزب الوطن الأم وحيد ارديم، وحزب اليسار الديموقراطي خليل شيفغين. لكن هذا لا يعني ان المعركة محسومة لغوكتشيك. وسيدخل غوكتشيك المعركة تحت شعار: "عنوان الفطرة السليمة" متسلحاً بانجازات رئاسته للبلدية خلال الأعوام الخمسة الماضية. ويذكر مواطني انقرة ب"الأيام السود" لقره يالتشين مستغلاً المعنى اللغوي لكلمة قره أسود.ويعدد "أيامه المضيئة" بالوعود الآتية: 23 نفقاً للمرور وايصال الغاز الطبيعي لكل بيت وتأمين مياه الشفة دون انقطاع وانهاء الاعمال بالمترو وتدشينه وتأمين الخبز الرخيص للشعب وتوسيع نسبة المساحات الخضراء في انقرة بحيث يصبح نصيب كل فرد منها 5.6م2.