يتوقع السوريون عموماً والدمشقيون خصوصاً صيفاً قاسياً بسبب ارتفاع درجات الحرارة عن معدلها السنوي وشح الامطار في الشتاء الماضي التي بلغت نسبتها 40 في المئة من المعدل السنوي. ولن يدفع الجفاف الى استيراد محاصيل زراعية بسبب توقع انتاج نحو 6.2 مليون طن من القمح في الاراضي المروية، لكنه سيؤدي الى تراجع الصادرات السورية من الحبوب، علماً ان الحكومة كانت استعدت لهذا الامر في السنوات السابقة عبر تخزين كميات كبيرة من الحبوب. وفي حين يُتوقع ان يكون الاثر الاكبر لقلة الامطار في تراجع مخزون الموارد المائىة الجوفية والسطحية وربما ارتفاع مستوى التلوث، تركز جهود الحكومة على التخفيف من وطأة الجفاف الذي ضرب الشرق الاوسط، وهي تعمل في كل الاتجاهات لاحتواء المشكلة في دمشق. وتدل احصاءات مياه نبع الفيجة الحالية ان العاصمة ستشهد أزمة مياه الصيف المقبل، اذ ان النبع لم يكن في ذروة جريانه كما كانت عليه الحال في السنوات السابقة، بل ان تدفقه انخفض الى تسعة امتار مكعبة في الثانية مقابل 17 متراً، هو معدل التدفق في هذه الفترة من السنوات السابقة. ويعتبر نبع الفيجة المصدر الرئيسي لمياه الشرب في دمشق، والذي ارتبط اسمه ب"الفيحاء" عبر العصور، وبالغ الدمشقيون في مدح عذوبة مياهه. لذلك فان الحكومة بدأت بحملة توعية تتضمن الاقتصاد في استخدام المياه مع نشرها برامج لجداول تقنين المياه في المدن الرئيسية، خصوصاً دمشق. وتبلغ الحاجة اليومية لسكان دمشق 700 ألف متر مكعب، لكن هطول الامطار في منطقة النبع لم يتجاوز 119 مليمتراً بداية الشهر الجاري مقابل 343 مليمترا هطلت في المنطقة نفسها العام الماضي. وتتلخص مشكلة المياه عموماً في عدم التوازن في ازدياد الموارد المائىة قياساً الى الزيادة السكانية 4.3 في المئة سنوياً، اذ انخفض تدفق الفيجة من 2.1 مليون متر مكعب قبل سنوات الى ما بين 600 و700 ألف قبل اشهر. وقال مدير الانتاج في "المؤسسة العامة للمياه" المهندس ابراهيم عبدالنور انه انخفض حالياً الى 400 الف متر. ولمعالجة المشكلة ركزت الحكومة جهودها في الاتجاهين التاليين: الاول، الاستعداد لتقنين المياه وقطعها لفترات طويلة في بعض الاحياء مع الحرص على توفيرها ل"جميع المناطق من دون استثناء". والثاني، تشغيل الآبار الجوفية التي تستطيع توفير 160 الف متر مكعب في اليوم، اذ ان الخبراء جهزوا 300 مضخة موجودة في نبع الفيجة، مع الاستعداد لوضع آبار جديدة في الخدمة لاضافة 30 ألف متر مكعب يومياً الى الانتاج. كما ان الجهود تتركز في القضاء على هدر المياه. ولان عمر الشبكة الحالية يتجاوز نصف قرن، فان نسبة الهدر بلغت عام 1996 نحو 34 في المئة. ونقلت صحيفة "تشرين" عن مدير الدراسات في "مؤسسة المياه" ان "الوكالة اليابانية للتعاون الدولي" جايكا قدمت منحة الى سورية بقيمة خمسة ملايين دولار لتطوير شبكة المياه حتى العام 2015 تتضمن مرحلتها الاولى البدء بتبديل نحو 100 كيلومتر من الشبكة بأنابيب صالحة لمدة 75 سنة. وأشارت الصحيفة الرسمية في تحقيق نُشر أخيراً، الى مصدر آخر للهدر يبلغ نحو خمسين في المئة، اذ ان "مؤسسة المياه" لا تتقاضى سوى عن 36 في المئة من قيمة انتاجها في حين تقدم نحو 14 في المئة مجاناً الى اماكن العبادة. وللتخفيف من آثار الجفاف على ارتفاع مستوى التلوث في الحزام الاخضر لمدينة دمشق، فان محطة المياه تعالج يومياً نحو 300 ألف متر مكعب مع ان طاقتها تصل الى 415 متراً لا تصلها بسبب تسرب في الشبكة. وتضخ المحطة انتاجها لري المناطق الزراعية المحيطة بالعاصمة. وبين ارتفاع الهدر وعدد السكان، وتراجع المياه وموجات الجفاف، يتوقع ان تكون مشكلة المياه "اكثر وطأة من السابق" وان تصل نسبة العجز الى 25 في المئة العام الفين والى 80 في المئة في العام 2020 اذا لم تتخذ اجراءات وقائية حاسمة وطويلة الأجل. وعن المشكلة الآنية المتوقعة في الصيف المقبل، كتبت "تشرين": "الأمل الوحيد هو ان موسم الامطار لم ينته بعد"!