تعد صفقة انتقال اللاعب رضا الهمامي من الاولمبي للنقل الى النجم الساحلي بمبلغ 150 الف دينار من آخر الصفقات في الملاعب المحلية التي اثارت جدلاً واسعاً. ونشأ الهمامي في محلة الملاسين وهي من الاحياء الساخنة في العاصمة التونسية ومن آخر "جيوب الفقر" فيها، وعبر الاولمبي للنقل انتقل الى مدينة سوسة، اجمل مدينة سياحية في تونس والتي تخرج منها رجالات الحكم والسياسة في البلاد، فلمع في مركز صانع الالعاب في فريقه الجديد وجمع بين المال وسطوته والشهرة وبريقها. وفي دراسة حديثة لكبير الاخصائيين الاقتصاديين في تونس عبدالسلام دمق تناول فيها تطور الدخل الفردي للمواطن التونسي بعد 40 سنة من الاستقلال. واوضح هذا الجامعي ان معدل الدخل الفردي الذي كان يقدر سنة 1957 ب 14 ديناراً تطور ليصبح في بداية السبعينات 50 ديناراً ليصل اليوم الى حدود 2163 ديناراً الدينار يساوي نحو دولار، ما يؤكد تنامي الطبقة الوسطى في تونس وحصر معدلات الفقر في حدود 7،8 في المئة. وتعد تونس حسب آخر احصاء سكاني 4،8 مليون نسمة ويوجد فيها 257 نادياً لكرة القدم تجمع 30 الف مجاز. وتمثل سنة 1957 ذكرى اعلان الجمهورية وكذلك تأسيس اتحاد الكرة في تونس، ونسبة موازنة الرياضة للموازنة العامة سنة 1998 هي 3 في المئة، وساهمت رئاسة الجمهورية ب 10 ملايين دينار لدعم الرياضيين والاندية المتوجة عربياً وافريقياً. ماذا كان يفعل عتوقة؟ ويروي احد رواد الرياضة في مدينة صفاقس ان بعض اللاعبين في بداية السبعينات كانوا ينتظرون رئيس النادي الصفاقسي مساء كل سبت ساعات عدة، واثر محادثة مجاملة مطولة، للحصول على دينار واحد. وما زالت ذاكرة الرياضيين تتذكر الجولة التي كان يقوم بها عتوقة، الحارس العملاق للنادي والمنتخب، في مدرجات الملعب قبل كل مباراة للحصول على دعم مالي لزوم اللعب ولضمان لقمة العيش. واللافت ان الجولة تكون قبل المباراة لان احداً لا يضمن الهزيمة او الفوز. تاريخياً، سيطر ابناء العائلات العريقة والثرية على رئاسة الاندية التونسية قبل جيل المحامين في الثمانينات ورجال الاعلام الجدد في التسعينات، وتُرك لأبناء الأسر الشعبية ممارسة كرة القدم وخلق الفرجة وتسجيل الاهداف. ولضمان الاستمرارية عُين بعض اللاعبين في نهاية الستينات في البلديات وصاروا موظفين... ومع بداية الانفتاح في السبعينات اصبحت المصارف تستوعب نجوم كرة القدم، والنجوم فقط يمكن انتدابهم لانهم قادرون على تأمين الشهرة لها... وفي الثمانينات بدأ لاعبو تونس يفكرون بعقلية الخصخصة، فانتشرت موضة فتح المقاهي من قبل اللاعبين لأنها تدر مبالغ مالية عالية وتمثل كذلك وسيلة مهمة للاعلان لناديه. وفي نهاية الشهر الحالي توفي الحبيب عاشور احد زعماء الحركة النقابية التونسية الذي قاد مسيرتها طيلة عقدين ودافع بشراسة عن مصالح العمال واستقلالية منظمتهم المهنية وتحمل في سبيل ذلك السجن والابعاد. ويستعد الاتحاد لعقد مؤتمره الدوري وسط مناخ دولي ومحلي يتسم بتضاؤل فرص العمل وتضاعف اعداد المسرّحين من العمال والكم الهائل من العاطلين عن العمل من خريجي الجامعات، ما يطرح تحديات كبيرة بالرغم من الخطط الرسمية وتعقّل النقابات. وتعتمد الاندية التونسية طرقاً مختلفة في منح اللاعبين مكافآتهم، فلاعب الترجي التونسي ينال 700 دينار في حال الفوز في كل مباراة ونصف هذا المبلغ في حال التعادل مع النادي الافريقي فقط، ولا ينال اي لاعب اي مليم في حال التعادل، الهزيمة امام اي من الاندية الاخرى. وبالنسبة الى الالقاب العربية والافريقية وكذلك المحلية فان المكافآت تراوح بين 8 و10 آلاف دينار. وفي "باب الحديد" يتقاضى لاعب النادي الافريقي الفي دينار في حال الحصول على اربعة انتصارات متتالية، والتعادل لا يضمن اية منحة. وتحصل لاعبو النادي الصفاقسي على 16 الف دينار لحصولهم على كأس الاتحاد الافريقي عام 1998. ويؤمن الفوز في الصفاقسي لكل لاعب 800 دينار ويزيد الى الف دينار اذا ما تحقق خارج صفاقس. وتراوح منحة التعادل بين 250 و400 دينار اي تقريباً مرتب شهر لموظف حكومي اتم سنتين بنجاح بعد البكالوريا. ويمكن بصفة تقريبية اعتماد معدل 150 ديناراً كمرتب شهري للاعبي الكرة في تونس في نهاية عقد التسعينات، يضاف اليه هدايا الاحباء والمساعدات المادية والعينية في الافراح والاتراح والاعياد. وفي مبادرة متميزة وزع اغلب الاندية اجهزة الهاتف النقال مجانا على لاعبيه منذ بداية هذه الخدمة في تونس، كما ان المصارف تعامل اللاعب المحترف بسهولة على صعيد السيولة والاقتراض، ويتمتع اغلب اللاعبين بتأمين على الحياة يصل الى قرابة 50 الف دينار لكل لاعب يرد عنه المفاجآت غير السارة خلال مسيرته الكروية والمهنية. وفي سنة 1978 استقبل الرئيس السابق الحبيب بورقيبة لاعبي المنتخب اثر النتائج المشرفة في مونديال الارجنتين وتسلم كل منهم 1500 دينار... وحصل لاعبو المنتخب على 30 الف دينار اثر وصولهم الي نهائي كأس الامم عام 1996 في جوهانسبورغ، وتشجيعاً لهم وضع سلم للمنح لدفعهم الي تحقيق نتائج ايجابية. ولم تشهد المنحة الجامعية للطالب التونسي المقدرة ب 30 ديناراً ارتفاعاً الا بعد 30 سنة من الاستقلال، وهي تبلغ اليوم 50 ديناراً لتساعدهم في مسيرتهم العلمية كأطر لتونس المستقبل. وكان اولياء الامور في السابق يمنعون ابناءهم من التوجه الى الملاعب، في حين اصبح حلم الكثيرين اليوم ان يصبح ابناؤهم لاعبي كرة.