أعلنت اسرائيل مؤخراً على لسان وزير خارجيتها أرييل شارون ثم على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو وبعد ذلك من خلال مندوبها الدائم في الاممالمتحدة، انها ترفض القرار رقم 181 الصادر عن الأممالمتحدة في 29 تشرين الثاني نوفمبر 1947 والذي ينص في اساسياته على تقسيم فلسطين الى دولة يهودية ودولة عربية واعتبار القدس بشطريها منطقة دولية، وبناء عليه تم اعلان قيام دولة اسرائيل واعترفت دول العالم بها معتمدة على الشرعية الدولية في هذا الاعتراف، وبذلك نفذت الاممالمتحدة أحد بنود القرار رقم 181 الخاص بقيام دولة اسرائيل وهذا يلزمها ايضاً بتنفيذ البند الآخر لنفس القرار المتعلق بقيام الدولة الفلسطينية. إن رفض هذا القرار وإلغاءه يعني إلغاء الاعتراف بدولة اسرائيل وهنا يتفق المتشددون في اسرائيل مع الموقف الفلسطيني عند صدور قرار التقسيم عام 1947 بعدم الاعتراف بوجود اسرائيل، ويبدو ان المتطرفين والمتشددين في اسرائيل وصلوا الى درجة من التطرف والتشدد أفقدتهم صوابهم حتى في تحديد مصلحة بقاء وجود اسرائيل كدولة، أو انهم يريدون تحقيق مصالح انتخابية بإظهار رفضهم لقيام دولة فلسطينية معتمدين على محاولة استغباء الشعب الاسرائيلي في عدم معرفته بنص القرار الذي بناء عليه قامت دولة اسرائيل. فهي الدولة الوحيدة في العالم التي قامت بناء على قرار من الاممالمتحدة وهو القرار رقم 181 الذي تطالب حكومة اسرائيل الآن بإلغائه، فهل يقبل الشعب الاسرائيلي والاحزاب الاسرائيلية بكافة توجهاتها من أقصى اليمين الى أقصى اليسار بإلغاء هذا القرار الذي أوجدها وثبت شرعيتها دولياً؟! إن أي اسرائيلي عاقل لا بد وان يشعر بالغبطة والسرور عندما يصبح للشعب الفلسطيني ممثلاً بقيادته الشرعية يطالب بتطبيق هذا القرار ويعترف به لأن ذلك يعني الاعتراف الكامل بإسرائيل طبقاً للقرار الذي أوجدها، ويجب ان يشعر بالغبطة والسرور بدرجة أكبر لأن الشعب الفلسطيني تنازل أكثر من هذا القرار عندما وافق على اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة الغربية وغزة. ولكن المدهش ان المتطرفين في اسرائيل يطالبون بإلغاء القرار ورفضه ومن المؤكد ان ما دفعهم الى ذلك هو موقف الاتحاد الأوروبي الأخير الداعي للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة. لا بد للأصوات العاقلة والمعتدلة في اسرائيل ان تفند مطلب الحكومة الاسرائيلية وتوضح معنى إلغاء هذا القرار بالنسبة اليهم لأنه لا يمكن تجزئة هذا القرار وأخذ ما يريدون منه فقط، فيما شرعية وجود اسرائيل تصبح لاغية بإلغاء القرار، إلا إذا كان شارون ونتانياهو وأتباعهم يريدون العودة الى بلادهم الأصلية التي جاؤوا منها الى فلسطين. أما إذا كان الهدف من هذا المطلب تحقيق مكاسب انتخابية فلا بد ان ينقلب هذا الهدف عليهم لما يشكل من خطورة على بقاء دولة اسرائيل إذا ما تم إلغاء هذا القرار حسب طلب الحكومة الحالية في اسرائيل. قد يقول البعض ان هذا المطلب يراد منه عدم قيام دولة فلسطينية مستقلة لتكون فلسطين بكاملها دولة اسرائيل، ومن هنا يجب التحرك فلسطينياً على كافة المستويات اسرائيلياً ودولياً وعربياً ولا يعني هذا التحرك تدخلاً في الانتخابات الاسرائيلية، لأن القرار 181 لا علاقة له بهذه الانتخابات، وان كان المتطرفون في اسرائيل يريدون استغلاله لتحقيق مكاسب انتخابية ولذلك يجب التحرك على المستوى الاسرائيلي بصورة خاصة وفعالة لتوضيح الرؤية للمخاطر على اسرائيل نفسها الناتجة من إلغاء هذا القرار. أما على المستوى الدولي فلا بد ان تقف الاممالمتحدة واميركا وغيرهما على مستوى المسؤولية وتحذير اسرائيل بأن إلغاء هذا القرار يشكل خطراً على الاعتراف باسرائيل قبل غيرها حيث ان إلغاءه يعني فقدان اسرائيل الاعتراف الدولي والعالمي بها، علاوة على ان الإلغاء إذا ما تم سيدفع الفلسطينيين الى العودة الى موقفهم عند صدور القرار باعتبار ان الاعتراف بوجود دولة اسرائيل يصبح لاغياً بإلغاء هذا القرار. إنها فرصة مناسبة الآن ونحن نرى ان الولاياتالمتحدة وحلف شمال الاطلسي يقومان بضرب يوغوسلافيا تحت شعار انقاذ كوسوفو، لأنها لا تستطيع ان تظهر باذواجية المواقف في نفس الوقت والزمن، وهذا يحتاج الى تحرك فلسطيني واسع في هذا المجال مدعوم بموقف عربي ودولي. لا بد من استغلال أي موقف مهما كان كبيراً أو صغيراً لمصلحة القضية الفلسطينية وقد يكون موقفاً صغيراً ولمصلحة انتخابية، ولكن من الممكن استغلاله بصورة كبيرة لكشف حقيقية الحكومة الاسرائيلية الحالية ورفضها للسلام ورغبتها في التوسع وإقامة المستوطنات والقضاء على الشعب الفلسطيني من خلال الممارسات المختلفة والمواقف الرافضة. لا بد ان يكون للأمم المتحدة موقف حازم وجدي وفاعل رداً على مطلب الحكومة الاسرائيلية الحالية لأنه لا يمكن التلاعب بقرارات الاممالمتحدة حسب أمزجة بعض اعضاؤها، كما لا يجوز استخدام القوة العسكرية ضد بعض الدول لتطبيق قرارات الاممالمتحدة وتترك غيرها تتحدى هذه القرارات وتطالب بإلغائها. * عضو المجلس الوطني الفلسطيني.