فجأة، وبعدما اطمأنت الدولة اللبنانية إلى أن إسرائيل عادت عن محاولة ضم بلدة أرنون إلى الشريط الحدودي المحتل، إثر الإنتفاضة الطالبية التي أزالت شريط الخوف الشائك من حولها، وبعدما كان للولايات المتحدة دور رئيسي في لجم احتمالات التصعيد الإسرائيلي إثر مقتل الجنرال الإسرائيلي على يد "حزب الله"، كرّت سبحة المواقف الأميركية من الوضع في الجنوب. وبلغت الدولة اللبنانية مجموعة رسائل أميركية، سواء مباشرة أو بالواسطة أو عبر تصريحات مصادر أميركية الى وسائل الإعلام كالآتي: ان إسرائيل تعتبر قضية أرنون غير منتهية بإزالة الشريط الشائك من حولها، وتطلب ضمانات لعدم استخدامها نقطة عبور من جانب المقاومة من اجل تنفيذ عمليات ضد الجيش الإسرائيلي، ان الجانب الإسرائيلي، وحتى الجانب الأميركي، أبديا انزعاجاً من التظاهرات والإحتفالات التي حصلت في بلدة أرنون بعد الإنتفاضة الطالبية، وطلبا وقفها، ان الولاياتالمتحدة ترى ان تكرار تجربة أرنون في قرى وبلدات اخرى واقعة تحت الإحتلال اذا كان بعضهم يفكر في الأمر، غير وارد، ان الولاياتالمتحدة تتعاطف مع افكار إسرائيلية لتعديل تفاهم نيسان ابريل الذي تنحصر بنوده بعملية تحييد المدنيين في الصراع العسكري. وهذه الرسائل الأربع تزامنت مع قرب انتقال مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط مارتن أنديك إلى المنطقة وإمكان زيارته لبنان. إلا أن أهم هذه الرسائل هو الإستعداد الأميركي للبحث في تعديل تفاهم نيسان، والذي ينفي لبنان الرسمي ان يكون طُرح عليه. وموقف واشنطن هذا يتناقض مع كل مواقفها السابقة التي كانت تعتبر التفاهم الإطار الوحيد والمجال الأنسب الذي من خلاله تتحقق شعاراتها بضبط النفس ووقف العنف والحؤول دون التصعيد العسكري، وأنه إطار ناجح وفاعل. وتدرك واشنطن ان تعديلاً للتفاهم يتطلب جولة مشاورات على مستوى وزراء خارجية الدول الأعضاء فيه، أي أميركا وفرنسا وإسرائيل وسورية ولبنان، تتولاها هي وباريس. والتعديل، تغيير في المعادلة غير قابل للتنفيذ الآن، وقبل الإنتخابات الإسرائيلية. واضح أن الإدارة الأميركية تريد من الرسائل الى لبنان، إسماعه وسورية أن ما حققاه خلال الأسبوعين الماضيين ضد إسرائيل ليس من دون ثمن أو مقابل، وأنها هي التي حالت دون حصول رد فعل إسرائيلي عنيف في أرنون، وحالت دون قيام نتانياهو بعمل عسكري كبير إثر مقتل أحد جنرالات الجيش... وبالتالي على الفريق الآخر ان يتجاوب معها. ولعل حقيقة ما تسعى اليه الإدارة الأميركية الآن هو ما كانت تتمناه حين رعت التوصل الى "تفاهم نيسان" لأن الرياح هبّت على غير ما كانت تشتهيه آنذاك، اي تخفيف عمليات المقاومة وخفض فاعليتها. وإذا كان تعديل التفاهم غير مقبول سورياًولبنانياً، لأن اسرائيل ترغب في تقييد حركة المقاومة مثلما يقيّد التفاهم الجيش الإسرائيلي، كما قال ارينز، فإن تعذر التعديل يعني أن الثمن الذي تبغيه واشنطن تريد الحصول عليه خارج اطار لجنة مراقبة وقف النار... وأثناء زيارة أنديك