الساحرُ، مرتبكاً يحاول، لكن منديله لم يطيّر حماماً. يحاول ثانية، الفتاة المُضاءَةُ ترمي الى الرقص نيرانها، ثم يعلو، مع العزف، وعد: يعقد حبلا، يحاول، في لمسة، فك عقدته مرة، مرتين، فتشتد أكثر! ينهمك المسرحيون في حيل الضوء والعزف، يرمون في كفه فرصا، دون جدوى، ولم يرتبك! نحن، جمهوره، المؤمنين بآلائه ارتبكنا. سيرفع قبعة، ثم لا يجد الأرنب المرتجى. ارتبكنا. سيحشر ساحرنا البنت في القفص المعدني ويغرز في جسمها ستة من رماح حقيقية ثم يفتح صندوقه، والفتاة التي رافقته ثلاثين عاماً وأكثر قد لا تقوم! في الغرفة المجاورة في الغرفة المجاورة لغرفة نوم الشعب، في الغرفة المجاورة لحديقة الحضانة، في الغرفة المجاورة لأوركسترا الخامسة فجراً حيث، مسرعاً، مستقيماً، يغادر الحراث، وناي الخامسة مساء حيث، على خدر، مائلاً، يعود، في الغرفة المجاورة لغرفة الرجاء واليأس ابتهال العائلة، صمت الممرضات، الغصن اليابس ملقى هكذا، على الشرشف النظيف في الغرفة المجاورة لغرفة الشاعر، حوله الكلمات، كلاب، إذ تهاجم، يهشها بالعصا، عصافير، إذ تتردد، يفتح لها كفيه، ينثر أمامها الشعير، وينتظر، في الغرفة المجاورة لغرفة التحقيق، مزدحمة بغباء الاستغاثة، وذكاء الحديد، في الغرفة المجاورة للجدة الجالسة القرفصاء، أمام علاقة الرغيف بالنار، في الغرفة المجاورة لغرفة الولادة... يجلس، بعضلاته القوية، مستعداً لتقديم العون، محاطاً بلوازم النجدة وأسلحة الانتباه، يفكر في أمرنا كثيراً، ويرعانا، كأنه كبير عائلة لا غنى عنه. في الغرفة المجاورة لغرفتنا العظيمة التي نسميها بلادنا: الموت، يواصل سهره النشيط، من أجلنا. لا بأس لا بأس أن نموت في فراشنا على مخدة نظيفة وبين أصدقائنا. لا بأس أن نموت مرة ونعقد اليدين فوق الصدر ليس فيهما سوى الشحوب لا خدوش فيهما، ولا قيود. لا راية ولا عريضة احتجاج. لا بأس أن نموت ميتة بلا غبار وليس في قمصاننا ثقوب. وليس في ضلوعنا أدلة. لا بأس أن نموت والمخدة البيضاء، لا الرصيف، تحت خدنا. وكفنا في كف من نحب، يحيطنا يأس الطبيب والممرضات، وما لنا سوى رشاقة الوداع غير عابئين بالأيام تاركين هذا الكون في أحواله لعل "غيرنا" يغيرونها. * من ديوان يصدر قريباً بعنوان: "الناس في ليلهم" عن المؤسسة العربية للدراسات، عمان - بيروت.