في عمله "شهادات تمت خيانتها" كتب ميلان كونديرا آخذاً على المنشقين السابقين في الدول الاشتراكية السابقة، بعض كلامهم. فهم ما ان يتحدثوا عن الحياة في بلدانهم، ايام التوتاليتارية، حتى ينسوا كل شيء جميل. كلامهم ذاك، وهو صحيح، يقتصر على الاستبداد والسلطة والسياسة، الا أنه يغفل، بحسب الاديب التشيكي، عن ضحكات ضحكوها وصداقات عقدوها وسهرات سهروها عهدذاك. الحياة، اذن، يمكن ان تكون جميلة كائناً ما كان حجم القسوة التي تشوبها. انها يمكن دائماً ان تكون كذلك. المبدأ هذا هو الذي حمل الايطالي روبرتو بينيني على كتابة"الحياة جميلة" واخراجه والتمثيل فيه، فكان الفيلم الذي حصد عدداً كبيراً من الجوائز، بما فيها التصوير الأفضل والاخراج الافضل والتمثيل الافضل. بيد ان الأمر أعقد قليلاً من هذا. فالنصف الاول مضحك. انه كوميديا شابلينية في قالب ايطالي. لكنك اذا كنت تعرف نصف الفيلم الثاني ونهايته، احترتَ في ضحكك الذي غدا، والحال هذه، مُراً وأسود. فهدف الفيلم عند صاحبه هو جعل الجمهور "يضحك و... يبكي" معاً. وهذا ما جعله نصفين لا يخفي تركيبهما ملمحاً سوريالياً، فيما يلوح نصفا شارلي شابلين، الكوميدي والتراجيدي، كأنهما جُمّعا في بينيني. هذه "التحية الى الروح الانسانية"، على ما جرى وصف الفيلم، تدور احداثها في توسكاني بايطاليا عام 1939: شاب يهودي متفائل، فرِح دائماً وبسيط ومُحب للحياة، يُغرم بفتاة يسميها "الأميرة" وهي زوجة بينيني الفعلية: نيكوليتا براشّي. ومع خطوبة الاميرة لاداري محلي من الحزب الفاشي، ينجح بينيني، الساخر والضاحك والمهرّج، في انتزاعها منه، ليبدآ "حياة جميلة" لا تقطعها الا... الحرب العالمية الثانية واعلان القوانين العرقية في ايطاليا. وفي النهاية ينتهي الأمر بهما، مع ابنهما، بين قرابة 8 آلاف يهودي ايطالي، الى معسكرات التجميع. وفي موازاة الانتقال من الكوميدي الى التراجيدي، يمضي بينيني في ملاعبة طفله عن طريق السرد. لكن هذا الأخير غدت له في المعسكر وظيفة جديدة: اقناع الطفل بان معسكرات التجميع مجرد لعبة هي الاخرى يديرها النازيون. الانتقال من الكوميدي الى التراجيدي، يشبه الانتقال من عادية الحياة الى الزلزال او الطوفان في افلام الكوارث. لكن الحكاية والسرد، هنا، هما اللذان يتصديان للواقع البشع والبشر الساديين. واذا كان الاختباء جزءاً ثابتاً في الألعاب التي تدور بين الابن وأبيه، فالمطلوب الآن تخبئة المحرقة عن عيني الصغير. والحال ان اصدقاء لبينيني كانوا نصحوه، هو المسيحي الكاثوليكي، ان يبقى كوميدياً ولا يطأ أرض المحرقة، كما لو أنهم كانوا يتكهنون بالسجال الذي سوف يطلقه فيلم كهذا. ذاك ان من غير المألوف خلط المأساة بالضحك والتسلية واعتبارها جزءاً من عاديات الحياة، جزءاً مكثّفاً في سواده. هذا، في رأي النقاد البالغي "الرصانة" و"الثقافية" تسخيف للمحرقة ونزع لفرادتها. أما بينيني ففعل العكس الذي بات ينبغي فعله بعد مرور اكثر من نصف قرن على الحدث الجلل.