نشرت "الحياة" في عددها 13132 ليوم الجمعة 3/11/1419ه 19/2/1999م ص11، مقالاً تحت العنوان المذكور اعلاه للأستاذ عبدالعزيز بن عبدالله الفدا. ويتلخص المقال بدعوة صاحبه الى امكان تقاضي المصرف الملتزم بالشرع بدل = تعويض الضرر عن مماطلة عميله، من دون اللجوء الى القضاء. وهذا لا يخص مصارف المعاملات حسب تسمية الكاتب فحسب، بل يمكن ان يشمل ايضاً المصارف الاخرى، في المملكة العربية السعودية. وهذا الموضوع ليس جديداً، كما قد يتصور القارئ غير المختص، بل تم طرحه عدة مرات، في كتب وبحوث ومجلات وندوات ومجامع، وشارك فيه علماء وباحثون من اقطار العالم الاسلامي، مختصون بالفقه والاقتصاد والمصارف. وكتبت فيه ورقة نشرت في مجلة "دراسات اقتصادية اسلامية"، التي تصدر عن المعهد الاسلامي للبحوث والتدريب، في البنك الاسلامي للتنمية، جدة، رجب 1417ه، ونشرتها ايضاً في كتابي "بيع التقسيط"، ط2، جمعت فيها اقوال العلماء، قديماً وحديثاً، مع الاحالة الى المصادر والمراجع، وناقشتها، ورجحت بينها، وذكرت تفاصيل لم يتعرض لها الاخ الفدا، مثل التمييز بين موسر ومعسر. واذا كان الفدا دعا في مقالته الى تبادل الآراء، فإني أشك في ان دعوته ستلقى قبولاً من "الحياة"، لاجراء هذا التبادل الفكري على صفحاتها. ولا اريد ان اطيل على القارئ، فأنا مثله ممن يفزعون من مقالات "الحياة" الطويلة، التي يستطيع اصحابها الوصول الى مرادهم، بمقالات اقصر، وباغراء عدد اكبر من القراء لقراءتها. واكتفي بإيراد النقاط الآتية، ولا اريد تكرار الكلام، والتعرض للبدهيات، ولو في صحيفة يومية: 1 - اذا قلت: الفائدة حرام، فيجب ان تبقى على قولك، فلا تمنعها صراحة ثم تجيزها حيلة، فالشرع يسمي الاشياء بأسمائها، ولكن الناس اذا سمّوا الرشوة اكرامية مثلاً، فالشرع يحكم عليها بأنها رشوة، فالعبرة هنا بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني، ولكن لا يجب ان يفهم من هذه القاعدة انه يجوز للعالم، او للباحث، ان يسمي الشيء بغير اسمه، كمن يسمي الحيلة على الربا تورقاً، ثم يقول بأنه جائز. وسبق الكلام عن التورق، في "الحياة" نفسها، فلا نكرره هنا. 2 - والمسلمون يتعرضون الى ضغطين: ضغط القرآن الكريم في تحريم الربا، وضغط الواقع العالمي في استباحة الربا، وكثير منهم لا يخرج من تحت هذين الضغطين الا بالحيلة، بدل الاجتهاد، فيحرم الربا ظاهراً، ويستبيحه باللف والدوران، والالأعيب اللفظية، والحجج السفسطائية، تحت اسماء مختلفة. فهذه الحيل تشوّه صورة الاسلام والمسلمين، وترفع تكاليف الصفقات كما بيّن ابن تيمية، ويستغلها المرابون الجشعون، واعوانهم من بعض العلماء، في تحقيق ربا فاحش، وهم يتظاهرون بالدين، وينتفون ريش الشباب المقدم على الزواج والمساكين. وكم حذر منها الإمامان ابن تيمية وابن القيم اللذان ربما سُمعت آراؤهما في اشياء كثيرة، الا في الحيل الرائجة. ولما أباحوها ذكروا حجج المبيحين، وأعرضوا عن ذكر حجج المانعين، ولو ذكروها لانكشف امرهم وأمر تدليسهم. وان بعضهم جمع ما كتب ابن تيمية، الا ما كتبه في الحيل، فقد استبعده من هذا الجمع. وبعضهم اذا حقق نصاً او كتاباً له، فلم يعجبه شيء، عدّل نصه بما يوافق هواه، وهو محقق! ان "الشيخ" الذي يرتكب مثل هذه القبائح يحسن ان ندعوه: سماجة الشيخ، بل سماحة الشيخ. 3 - الحجج التي يوردها الأخ الكاتب لاستباحة بدل الضرر عن المماطلة هي الحجج نفسها التي يوردها الغربيون لإثبات الفائدة، فكيف نرفض الفائدة اولاً، ثم نلتجئ الى حججها ثانياً؟ 4 - من الخطأ ان يعتقد الكاتب انه اذا جازت الغرامة المالية او الشرط الجزائي، او تعويض الضرر في موضع، فانها تجوز بالضرورة في كل موضع، او اذا جازت بعض صورها فقد جاز كل صورها، فالامر ادق من هذا فقهاً وقانوناً. 5 - ليس يكفي القول بأن اقتراحاً ما، يحقق فوائد جمة، حتى يكتب له القبول، فالخمر والميسر لهما منافع، حتى باعتراف القرآن نفسه، ولكنهما في نهاية المطاف، وبعد الموازنة بين المنافع والمضار هما محرّمان. 6 - ان الدين والعلم يتطلبان الشفافية والاستقامة والوضوح والتوعية، والالتفات الى مصالح الجماهير، لا الى مصالح فئات قليلة منتفعة. بلغ الفساد دركة في عصرنا، بحيث يؤثر الكبار من يقبل دعوتهم: كلْ من الفساد وأطعمني، ويتولون ويعرضون عمن لا يأكل، ولا يطعمهم، الا من حلال. رفيق يونس المصري مركز ابحاث الاقتصاد الاسلامي، جامعة الملك عبدالعزيز، جدة