ليس صحيحاً ما يقال في بعض الأوساط السياسية في بيروت ان حكومة الرئيس سليم الحص لم تأتِ بجديد في مشروع الموازنة الذي انكب مجلس الوزراء على دراسته لإحالته على المجلس النيابي، وأنه نسخة عن مشروع الموازنة الذي كانت الحكومة السابقة برئاسة الرئيس رفيق الحريري تنوي تقديمه. وإذ كان خصوم الحص، ومعارضو الحكومة والعهد، يرمون الى اظهار الفريق الحالي عاجزاً عن خلق وسائل جديدة لمعالجة الازمة الاقتصادية - المالية في لبنان، فإن هذا مفهوم بمنطق الصراع السياسي الدائر في البلاد. وصحيح ان بعض الحلول التي تقدم عليها حكومة الحص، هي نفسها الحلول التي كانت طرحت في العهد السابق وظهر معظمها في ما يسمى بالورقة الاصلاحية التي صدرت خريف العام 97 باتفاق الرؤساء الياس الهراوي ونبيه بري والحريري ومنها دمج وزارات وإدارات والاصلاح الاداري والغاء التدبير الرقم 4 المتعلق باستنفار القوى المسلحة الدائم وضبط انفاق الادارات وامتيازاتها، وتفعيل الاستشفاء الحكومي وانشاء البطاقة الضريبية واعادة هيكلة الدين العام. ومع صحة القول ان "مشروع الموازنة الحالي "يستعير" ارقاماً وضعتها وزارة المال في العهد السابق، لا جديد فيها، وأن كل ما يقوم به وزير المال الحالي هو تجميعها، بعد عناء البحث عنها لافتقاده الى فريق العمل الكبير من الخبراء الذي كان يعاون سلفه فؤاد السنيورة، فإن هذا لا يلغي التمايز في اسلوب بعث الروح في الارقام التي تتشكل منها الموازنة تمهيداً لخلق وقائع اقتصادية وحياتية للدولة ورعاياها وطبقات مجتمعها. والموازنة حدث محوري في حياة الدول يحدد في المتقدمة منها مستقبل سياساتها الاقتصادية والدفاعية والخارجية والاجتماعية... إلخ... ألم يقل الرئيس الحص ان السياسة الاقتصادية باقية على حالها لكن إدارتها ستكون مختلفة؟ والفارق الذي يكمن في ان الازمة انتقلت من حضن الحريري الى حضن الحص والعهد الرئاسي الجديد ليس شكلياً، بل انه يعكس تمايزاً في المعالجات يظهر في وضوح، من سلة الضرائب التي تتضمنها الموازنة الجديدة وتشمل تغييراً اساسياً في السياسة الضريبية للعهد السابق وترفع الضريبة على الشركات من 10 الى 15 في المئة... وينتظر ان يتضح هذا الفارق اكثر في الخطة الخمسية التي ستتضمنها فذلكة الموازنة والمشاريع الانمائية التي ستعد بها ومشاريع الخصخصة التي تنويها... ان هذا التمايز يحتم سجالاً بين مدرستين في ادارة الوضع الاقتصادي اللبناني. والحكم هو على النتائج: أيهما تخفف اضرار الازمة وتلجم انعكاساتها السلبية؟ وسيكون صعباً ضبط السجال عند حدود دعوة الرئيس إميل لحود الى إخراج الموازنة من التجاذب السياسي لأن وقف هذا التجاذب يعني الغاء وجود الآخر، تماماً مثل القول ان لا جديد في مشروع الحكومة. فهو ايضاً يلغي وجود الآخر. وليد شقير