يقول محبو رئيس الحكومة اللبنانية: أعان الله الرئيس سليم الحص على ادارة شؤون البلاد". فالرجل الحليم الصبور الهادىء النزيه والنظيف الكف، صاحب النظرة الاقتصادية الداعية الى التقشّف وتركيز الانفاق على المشاريع الانتاجية بأقل كلفة، في معالجة الازمة الاقتصادية التي كان يفترض ان تكون في حضن رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وباتت في حضنه، ليس مضطراً لاستنباط الحلول لپ"التركة الثقيلة" للحريري، كما يصفها هو، بل يجد نفسه ايضاً مضطراً للعب دور الضابط لشركائه في الفريق الحاكم، وبعض الوزراء الذين يستعجلون الانجازات ويستسهلون الكلام، مع ما لذلك من تأثير سلبي على المعالجات الاقتصادية وعلى صورة الحكومة والمبادىء التي التزمتها في البيان الوزاري. ولا شك ان حكومة الحص اضطرت الى استهلاك نفسها، على الصعيد الاعلامي في مواجهة العثرات التي نشأت في وجهها. واذا كان من الطبيعي ان تقوم معارضة قاسية، ضد اجراءات طبيعية هي الاخرى، اتخذتها الحكومة بالتغييرات في القيادات الادارية، عبر اقتلاع من يلوذون بالولاء للحريري في الدرجة الاولى، على قاعدة ان لكل عهد رجاله، فان الحص اضطر لاستهلاك جزء من الجهد والوقت في مواجهة هذه المعارضة. وأدى ذلك الى اطلاق سجال سياسي واسع في البلاد. ومحبو الحص يعتبرون انه نجح في هذا السجال في وضع خط فاصل بينه وبين الحريري ومرحلته، أحدث فرزاً لمصلحة رئيس الحكومة، رداً على القائلين ان الحريري اكتسب منه عطفاً بيروتياً واسلامياً وعصبية لمصلحته. الا ان الامر لا يتوقف عند هذا الحد. فالحص اضطر ايضاً لابرام اتفاق مع شركائه في الحكم، على وقف عملية تعيين العسكريين في الادارات العامة والمؤسسات، رداً على الحملة التي واجهت العهد والحكومة، ومن اجل طمأنة الرأي العام الى المخاوف التي ينفخ بها المعارضون عن عسكرة النظام. وتوجّب على رئيس الحكومة ايضاً ان يُصدر مذكرة يجري تعميمها على البعثات الديبلوماسية اللبنانية، حول تشجيع الاستثمارات الاجنبية في لبنان، ليبدّد أجواء القلق والتساؤلات التي أطلقتها تصريحات بعض شركائه في الحكم عن تغيير في السياسة الضريبية والمالية في لبنان. وسبق للعديد من الوزراء ان حاولوا اكتساب الادوار فسرّبوا وصرّحوا بما تنويه الحكومة قبل ان تنوي، مستعجلين التغييرات من دون تحديد القدرة الواقعية للدولة على استيعابها. واضطر الحص الى ان ينفي ويصحّح، لمن لا خبرة سياسية لهم، أو لمن يتسرّعون في اطلاق الاحكام. ومع ان المحاصصة في التعيينات الادارية التي يتحدث عنها المعارضون ظلّت "خفيّة"، فان اضطرار الحص الى مراعاة بعض التمثيل المناطقي والطائفي، وهو أمر طبيعي، أطلق شهية المطالبين بالحصص في شكل شبه علني، أعاد الى الاذهان صيغة "الترويكا" التي تتناقض كلياً مع طبع الحص ومفهومه للسلطة.