بعد انسحاب الأممالمتحدة من أنغولا نهاية الشهر الماضي، واعلان فشلها في تسوية الأزمة، توترت الخطوط الساخنة بين القوات الحكومية، وقوات المعارضة المعروفة باسم حركة الاتحاد الوطني من أجل استقلال أنغولا التام "يونيتا"، وهناك مخاوف من أن تشهد البلاد موجة عنف جديدة لم تعرف مثلها منذ 15 عاماً على الأقل. ويذكر ان تلك المعارك راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف قتيل، وبضعة آلاف من الجرحى وتهجير نحو 600 ألف مدني من قراهم لينضموا الى طوابير اللاجئين الذين بلغ عددهم 1.2 مليون لاجئ حسب احصاءات الأممالمتحدة نهاية العام الماضي. وكل هؤلاء ينتظرون المعونات الغذائية الدولية لأن الحكومة في لواندا عاجزة عن إطعام قواتها الرسمية ودفع رواتبهم. فالبلاد منهكة اقتصادياً بعد حرب عصفت بها قرابة عشرين عاماً ناهيك عن الشلل الذي يصيب القطاعات الانتاجية كلها. وكانت قوات المعارضة بزعامة جوناس سافيمبي شنت هجوماً واسع النطاق في الشهر الماضي طال الاقاليم الشمالية بدءاً من مدينة مالانجي ومروراً بمدن مبانزاكونغو وكاشينويف وشيكو مومبولا وبالومبو ووصولاً الى اقليم بينغيلا ومدن كابا نغو وهونغولو شمال شرقي البلاد. وحسب المراقبين الدوليين ان القوات الحكومية تراجعت، لأن المعارضة استخدمت في معاركها الجديدة أسلحة متطورة. ويبدو ان خطوط امداداتها ودعمها لم تتوقف على رغم اعلان الولاياتالمتحدة وقف مساعداتها العسكرية لحركة "يونيتا" منذ انهيار الاتحاد السوفياتي ونهاية "الحرب الباردة" التي كانت أنغولا بحكومتها الشيوعية تقع في دائرتها على المستوى الافريقي. وهذا يثير علامات استفهام عن دور الأممالمتحدة التي أكدت أكثر من مرة ان قوات المعارضة بزعامة سافيمبي هي المسؤولة عن تعطيل اتفاق لوساكا الذي رعته عام 1994، وقضى باجراء انتخابات حرة شاركت فيها المعارضة على قدم المساواة مع الحكومة الرسمية في لواندا. وفعلاً جرت الانتخابات وفاز بها الرئيس الأنغولي خوسيه ادواردو دوس سانتوس بغالبية ساحقة، غير أن سافيمبي رفض الاعتراف بالنتائج ولم يلق السلاح حسب ما نص الاتفاق. بل انه واصل حربه وباتت الأممالمتحدة تراقب عودة الحرب لهذا البلد وليس لعودة السلام. وآخر قرار أصدره مجلس الأمن كان في آب اغسطس الماضي حمل فيه حركة "يونيتا" مسؤولية العودة الى لغة السلاح وطالبها بالتقيد غير المشروط والفوري بالالتزامات التي ينص عليها اتفاق لوساكا الموقع عام 1994. ومع ذلك لم تلتزم الحركة به. وبدل أن يلجأ مجلس الأمن لارغام الحركة على تنفيذ الاتفاق، كما حصل في رواندا وفي البوسنة وفي كوسوفو حالياً، أوعز لقوات الأممالمتحدة بالانسحاب وتم هذا الانسحاب فعلياً نهاية الشهر الماضي. علماً أنه لحظة صدور قرار المجلس كانت هناك فرصة كبيرة لارغام سافيمبي على تطبيق اتفاق لوساكا بأقل كلفة ممكنة، خصوصاً بعد الانشقاق الذي حصل في قوات المعارضة بزعامة أحد مساعدي سافيمبي. غير أن الأممالمتحدة رفضت اللقاء به ورفضت الاعتراف بزعامة الانشقاق الأمر الذي سهل على سافيمبي القضاء عليه في المهد. وفي ضوء ذلك تطرح اسئلة عدة عن دور الأممالمتحدة في أنغولا على رغم مواقفها المعلنة التي تدين بها سافيمبي على الدوام. وتزعم بعض المصادر الحكومية في لواندا أن سافيمبي حصل على الأسلحة الجديدة من خلال الأممالمتحدة عبر قنوات استخباراتية ضالعة فيها دول مشاركة في القوات الدولية حين حصل الانسحاب من دون سحب العتاد الحربي، والا ما معنى اعلان المواقف واصدار القرارات من مجلس الأمن من دون العمل على تنفيذ أي منها؟ ويبدو واضحاً للمراقبين الدوليين ان هذه الحرب ستستمر حتى تكتمل الشروط لكارثة انسانية مشابهة للكارثة التي حصلت في رواندا مع الفارق الكبير في حيثيات الأزمتين. ذلك لأن القوات الحكومية تسيطر فعلياً على المدن الكبيرة بينما القوات المتمردة تسيطر على الأرياف. وبحسب كل المراقبين أن ريف أنغولا بات حالياً خالياً من المواطنين أو القوى المنتجة، ويذهب المراقبون الى القول ان هذا النزوح الذي تفرضه قوات المعارضة لدى دخولها الى القرى والأرياف هو ما يريده جوناس سافيمبي تحديداً. فهو يضع الأهالي أمام خيارين لا ثالث لهما: اما حمل السلاح لكل من يستطيع ذلك من الرجال والنساء، واما الرحيل الى الداخل وتحديداً باتجاه المدن التي تسيطر عليها الحكومة. وفي الوقت نفسه يمنع أي نزوح باتجاه الحدود المجاورة لأنه يريد منهم أن يشكلوا عوامل ضغط على الحكومة وهو يعتقد انه كلما ازداد عدد اللاجئين، تفاقمت الأزمة الاقتصادية في الداخل واستنزفت امكانات الحكومة وبالتالي لا بد من حصول انتفاضة ضد النظام الحاكم. غير أن المراقبين يعتقدون بأن نظرية سافيمبي هذه لا تستند الى وقائع، لأن معظم الأنغوليين وخصوصاً المهجرين من قراهم ينظرون الى سافيمبي ورجاله كقتلة. فهم في الغالب يهربون من وجههم مجرد أن يتأكدوا من دخولهم وانسحاب القوات الحكومية. في ظل هذا الواقع وهذه المعطيات ماذا يريد مجلس الأمن، وماذا تريد الأممالمتحدة من أنغولا؟ في الواقع لا يجد معظم المحللين السياسيين اجابة مقنعة عن هذا السؤال سوى انتظار الكارثة.