في الثلاثين من شهر آذار مارس عام 1976، تظاهر الآلاف من المواطنين الفلسطينيين داخل الدولة العبرية ضد مصادرة أراضيهم وضمها الى ما يسمى "دائرة أراضي اسرائيل". والآن بعد 23 سنة، قد يجد العرب في اسرائيل أنفسهم في مواجهة مخطط جديد يستهدف نقل ملكية هذه الأراضي المصادرة الى الوكالة اليهودية التي تحرّم نقل ملكية اليهود الى غيرهم. مسلسل استيلاء الحكومات الاسرائيلية على أراضي العرب فيها، انتهى في واقع الأمر منذ سنوات. فبعد أن دمرت اسرائيل 425 قرية وبلدة فلسطينية خلال نكبة 1948 وبعدها، وشرَّدت آلاف الفلسطينيين، أصبحت 93 في المئة من الأراضي ملك الدولة وموزعة على 3 أجسام: سلطة التطوير والكيرن كييمت ودائرة أراضي اسرائيل. المخطط الاسرائيلي الجديد، أو كما يصفه البعض بالمرحلة الثانية من تهويد الأرض، بدأت فصوله منذ أشهر عندما طلب وزير الخارجية والبنية التحتية الاسرائيلي أرييل شارون من لجنة خاصة "البحث في سياسة الأراضي في اسرائيل" في القطاعين المديني والزراعي اليهودي. الهدف المعلن من تشكيل هذه اللجنة الحاجة الى أراضٍ صالحة لبناء وحدات سكنية لتوطين المهاجرين اليهود الجدد وتبني توجه "خصخصة الاقتصاد". وخصخصة الاقتصاد أو الأرض هذه كما يبين الحقوقي حسن جبارين من مركز "عدالة" القانوني لحقوق الأقلية العربية في اسرائيل لا تعني سوى خصخصة الأراضي العربية المصادرة لتصبح بيد الوكالة اليهودية التي تؤمن ان "الأرض يجب أن تبقى بحوزة القوم أي اليهود" لضمان عدم نقل أي جزء منها الى العرب. ويشير جبارين الى أن مفاوضات حثيثة وسريعة تدور بين الحكومة الاسرائيلية والوكالة اليهودية لانهاء صفقة بيع هذه الأراضي في اطار توصيات لجنة "رونين" التي شكلها شارون بالتعاون مع رئيس الوكالة اليهودية ابراهام بورغ. ويوضح جبارين ان الهدف من هذه العملية هو "توزيع الغنائم الأراضي التي صادرتها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة خصوصاً أثناء الحكم العسكري الذي فرض على العرب في الفترة الواقعة بين عامي 1950 - 1966 وتحديد الحيز الذي يشغله العرب في قراهم التي يعيشون فيها ومنع تمددهم الطبيعي". ويشير تقرير أعده الباحث مروان دلال في هذا السياق الى أن احدى توصيات "لجنة رونين" تنص على وجوب تغيير الأمر الواقع الخاص بالأراضي وتحذر من أنه "إذا استمر الوضع على ما هو عليه اليوم، فمن المتوقع ان تكون هنالك سيطرة غير قانونية على الأرض". ويؤكد الباحث ان القصد هم المواطنون العرب عموماً والمواطنون القاطنون في القرى التي لا تعترف بها الدولة الاسرائيلية وتعتبرها خارج القانون. والحديث يدور عن أكثر من 80 قرية. ويشير التقرير الذي تبنت الحكومة الاسرائيلية توصياته الى "الحاجة الماسة لتوطين مواطنين متمكنين اقتصادياً واجتماعياً في الجليل والنقب"، معتبراً هذه المناطق التي تكتظ بالمواطنين العرب غير مأهولة تقريباً. وتشمل سياسة خصخصة الأرض أيضاً العقارات والبيوت، إذ اسقطت اسرائيل من خلال سلسلة من القوانين صفة "المستأجر" عن العربي حتى في البيت الذي يسكن فيه في المدن المختلطة، إذ لن تشمله سياسة الخصخصة هذه بعد أن أوصت اللجنة بأن يسمح ل "المستأجر" بتملك بيته "بعد مرور عدد من السنوات ودفع نسبة معينة من ثمن المنزل". أما العربي فيفرض عليه عقد ايجار واستئجار قصير الأمد لا يزيد عن خمس سنوات، يبقى في يد الشركة المؤجرة. وتمتلك شركة "كيرن كييمت" اليهودية معظم البيوت في المدن اليهودية والمختلطة يهودية وعربية مثل حيفا. ويرى المواطنون العرب في اسرائيل الذين خنقت المستوطنات المدينية والقرى الزراعية اليهودية موشاف اوكيبوتس قراهم، في عملية خصخصة ملكية الأراضي مرحلة ثانية في الخطة الاسرائيلية الام التي تعتبر الأرض التي بنت دولتها عليها أرضاً يهودية يجب أن تبقى ملكاً لليهود. ويستذكر هؤلاء في الذكرى 23 ل "يوم الأرض" قتلاهم في المواجهات العنيفة مع القوات الاسرائيلية من أجل الأرض التي يخشون فقدان حقهم في الاستفادة منها حتى كمواطنين في الدولة العبرية ولاجيال مقبلة.