تحتل تركيا جغرافياً موقعاً استراتيجياً في خريطة العالم، فهي الجسر البري بين آسيا وأوروبا وهي تمثل جملة من التناقضات في كيانها السياسي والاجتماعي، فهي مزيج من القوميات والديانات واللغات. وهي أيضاً بقايا رماد العثمانية التي لا يزال يحلم بها العسكريون الأتراك. وفي كيانها السياسي تعيش تركيا صراعاً غير منته بين تيارها العلماني الذي جاء به كمال أتاتورك، وبين التيار الإسلامي الاصولي الذي يتمثل بالأحزاب الإسلامية. وتعتبر تركيا رفض دخولها إلى الاتحاد الأوروبي لكونها دولة إسلامية وتتهم الاتحاد بكونه "المنبر المسيحي" الذي لا يقبل غير الدول المسيحية. لكن واقع الحال الذي يرد دائماً على الصحف والتصريحات الصادرة عن دول الاتحاد هو أن تركيا غير مؤهلة لدخول النادي الأوروبي بسبب اضطهادها للأقليات وبالذات الأكراد. وجاء اختطاف زعيم حزب العمال عبدالله أوجلان ومحاكمته بعد عملية استخباراتية مدروسة من قبل المخابرات الأميركية والإسرائيلية والتركية، بداية اختبار لنزاهة المحكمة والقضاء التركي الذي ستظهره الأيام المقبلة. ومن خلال نظرة سياسية إلى مجرى الأمور يمكن لتركيا ان تحكم بالاعدام على أوجلان، لكن ليس بإمكانها القضاء على شعب يشكل ثلث سكان تركيا. وعلى رغم أن الكثير يعتبر أوجلان سياسياً محنكاً، فإنه لم يستطع ان يكسب ود الحركات السياسية الأخرى في كردستان العراق وإيران. وكثيراً ما كانت تحدث صدامات عسكرية بينه وبينهم راح ضحيتها الكثير من الشباب. كذلك ارتكب أوجلان أخطاء عدة كانت قاتلة لحياته السياسية والعسكرية وهي السير وراء الأهداف الشيوعية، وانفراده بسيادة القرار السياسي والعسكري لقيادة حزبه. من خلال نظرة سريعة إلى العاملين نجد أن ذهاب أوجلان يمثل انعطافاً ايجابياً في قضية الشعب الكردي في تركيا، إذ سيتم فسح المجال أمام القيادات الشابة الجديدة لاستلام قيادة الحزب والتعامل بمرونة مع الأحزاب الكردية الاقليمية وطي صفحة القتال الكردي - الكردي الذي دار في أيام أوجلان. كذلك ستلاقي القيادة الجديدة ترحيباً دولياً أكثر ايجابية من أيام أوجلان بإظهار الحزب منظمة تحريرية تمثل طموحات الشعب الكردي نحو الاستقلال. لندن - محمد حسن آغا بشده ري