التماثيل الضخمة للفنان السنغالي عثمان سو، تعرض في الهواء الطلق في باريس، على طول "جسر الفنون" الذي يصل ضفة نهر السين اليسرى برصيف متحف اللوفر. والمعرض الذي يستمر الى نهاية شهر ايار مايو المقبل يقدم 68 عملاً تشهد على قوة تعبير فنان ينظر اليه كأحد كبار النحاتين المعاصرين. لكن سو الذي تعلم الفن على نفسه وصل الى النحت متأخراً، فعندما عاد الى بلاده واستقر في دكار بعد اقامة طويلة في فرنسا، تفرّغ لفنّه ونظّم اول معرض في السنغال وهو في الخمسين من عمره. وتدريجاً بدأ الاعتراف الدولي باعماله يزداد، ففي 1992 عرض في "دوكومانتا" كاسيل وفي 1995 شارك في "بينالي" البندقية، كما قدم تماثيله في بعض المناسبات في باريس لكن العرض الكبير الذي تشهده العاصمة الفرنسية حالياً يشكل تكريماً فعلياً لعثمان سو. يركز النحات السنغالي خاصة على الاشكال الانسانية، وقد عمل على استذكار التقليد الافريقي والاثنيات الافريقية، ففي 1984 انجز سلسلة من التماثيل عن قبيلة الپ"نوبا" وفي 1989 عن الپ"ماساي" وفي 1990 اخذ شخصيات من قبيلة "زولو" وفي 1993 استكمل تماثيل قبيلة الپ"بولز"، وكلها تبرز انسانية مدهشة واجساداً قوية وقامات عملاقة ليست بعيدة عن الفنان نفسه الذي يلفت النظر بقامته المرتفعة وحضوره البارز. وهذه الاعمال التي تنقلت في عواصم عالمية مختلفة يقدمها سو في بلاده في محطات خدمة للسيارات، اما السلسلة الاخيرة التي بدأ العمل عليها في 1995 وانجزها في كانون الثاني يناير 1999 والتي تشكل اساس المعرض الباريسي، فقد سبق ان عرضها على الكورنيش في دكار كي يتمكن الجميع من مشاهدتها، وليس فقط عدد قليل من الناس يقتصر على زائري الصالات الفنية. الى جانب تماثيل الرجال والنساء من القبائل المختلفة، وفي وسط "جسر الفنون"، يتوقف الزائر امام مشهد رائع يضم 24 تمثالاً ويستعيد معركة "ليتل بيغ هورن" التي كانت آخر انتصار بطولي للهنود الحمر، الپ"سيو" والپ"شيين" عام 1876 امام الخيّالة الاميركيين وقائدهم الجنرال كاستير. من خلال المجابهات جسماً لجسم والجنود المحتضرين والهنود الهاجمين والاحصنة الجريحة التي تصهل طويلاً نحو الموت… يخلق النحات مشهد ساحة حرب مليئة بالحيوية والحركة والتعبير. اختار الهنود الحمر لانه اراد انطلاقة جديدة ابعد من افريقيا، ولانه اكتشف، حسبما قال في مقابلة صحافية: "عند الهنود حضارة تملك احتراماً تجاه سحرتها واهتماماً بأجساد رجالها ونسائها، وتقاليد جميلة في المكياج". وهو لا تشغله الفروقات العنصرية، والاختلاف الذي يخلقه بين الاثنيات لا يرتكز على الشكل بل على بعض الظواهر الثقافية، في زينة الرأس وطلي الوجه، وعلى لحظات من الحياة اليومية: المعارك، العادات القروية، الالعاب… وعثمان سو الذي عمل طويلاً كمدلك طبي قبل ان ينتقل الى النحت يصنع اشكالاً جبارة وحركات حرة من دون العودة الى اي رسمة مسبقة لموديلاته، ويستخدم مادة من اختراعه، يرفض ان يفشي بسرها، يغطي بها مزيج حديد الباطون والبلاستيك والقش والجوت، ويحافظ بالتالي على تماثيله امام تقلبات الطقس ومرور الزمن.