يشير النحات الكوري الشمالي رو إيك هوا الى أحد أعماله قائلاً: «أنجزته بطلب شخصي». هذه المنحوتة تمثال نصفي لعبد القدير خان صانع القنبلة الذرية الباكستانية الذي تتهمه واشنطن بالمسؤولية عن الانتشار النووي في العالم. ترتفع المنحوتة في إحدى زوايا مشغل النحات رو، في مجمع فني في العاصمة الكورية الشمالية مخصص للإنتاج الفني يطلق عليه اسم «مانسوداي». ومدينة الإنتاج الفني هذه تخضع منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، لعقوبات أقرّتها الأممالمتحدة، لإجبار بيونغ يانغ على التخلي عن برنامجها النووي وبرامجها الصاروخية المحظورة. في الثلاثين من تشرين الثاني (نوفمبر)، تضمنت الدفعة السادسة من عقوبات مجلس الأمن على كوريا الشمالية منذ العام 2006، فقرة تحظر على الدول الأعضاء شراء التماثيل المنحوتة فيها. والهدف من حصار هذا القطاع الذي يدرّ المال الكثير على بيونغ يانغ، تجفيف مصادر النظام من العملات الأجنبية. يروي رو (77 سنة) أحد الفنانين الكبار في بلده والذي أنجز منحوتات شهيرة في بيونغ يانغ، أن عبد القدير خان زار مقبرة شهداء الثورة في العاصمة الكورية، ورأى عشرات التماثيل النصفية هناك، فأحب أن يكون له تمثاله الخاص. ويقول اثناء زيارة نظمتها السلطات الى استوديوات الإنتاج الفني «كان يريد شيئاً مماثلاً في الحجم والشكل، وهذا ما فعلته». في العام 2004 أقر عبد القدير خان بأنه ساهم في الانتشار النووي في العالم، من خلال بيع التقنيات الباكستانية الى ليبيا وايران وكوريا الشمالية. ومع أنه تراجع عن أقواله في ما بعد، إلا أن السلطات الأميركية بقيت على تحميله المسؤولية. والتمثال الذي أنجزه رو ايك هوا لعبد القدير، عمل متواضع مقارنة بمنحوتات أخرى خرجت من مدينة الإنتاج الفني، منها مثلاً نصب النهضة الأفريقية الذي يرتفع بعلو 52 متراً في العاصمة السنغاليةدكار منذ العام 2010. ويقول كيم هيون هوي المسؤول في مدينة الإنتاج الفني عن المشاريع في الخارج «في هذه الحالات نرسل فرقاً تعمل بين سنة واحدة وخمس سنوات». غداة صدور قرار الأممالمتحدة، أضافت وزارة الخزانة الأميركية مدينة الإنتاج الى قائمتها السوداء للمؤسسات «الداعمة للأنشطة الكورية الشمالية الممنوعة». وإذا كانت استوديوات «مانسوداي» هذه تتبع رسمياً للسلطات المسؤولة عن الدعاية، إلا أن عائداتها فعلياً يرجح أن تكون بإدارة مستوى أعلى بكثير في النظام الكوري الشمالي. تشير تقديرات الى أن العائدات السنوية من هذه النشاطات تبلغ بين خمسة ملايين دولار و13 مليوناً. ويقول مايكل مادن المسؤول عن موقع «نورث كوريا ليدرشيب ووتش» المتخصص في شؤون كوريا الشمالية ان «الإدارة الحقيقية لهذه الاستوديوات هي بيد كيم يو اونغ» شقيقة كيم جونغ اون، الذي يحكم البلاد بقبضة حديدة، خلفاً لوالده ومن قبله جده. في الغرب، يتولى الإيطالي بيير تشيتشيوني تسويق الأعمال الفنية التي تصنع في «مانسوداي». وهو يصر على القول ان هذه الاستوديوهات تحظى باستقلال كبير، لدرجة «أنها أشبه بوزارة» قائمة بنفسها. قبل العقوبات، كانت افريقيا السوق الكبرى لإنتاج «مانسوداي»، من السنغال الى أنغولا وبوتسوانا واثيوبيا وناميبيا وزيمبابوي، في ملامح فنية أريد منها جذب الدول الأفريقية الراغبة في تثبيت هويتها في مرحلة ما بعد الاستعمار. وقال الرئيس السنغالي السابق عبدالله واد في حديث لصحيفة «وول ستريت» حول النصب الذي يرتفع في بلده «وحدهم الكوريون الشماليون كان يمكن أن ينجزوا هذا النصب». يعمل في استوديوات «مانسوداي» أربعة آلاف شخص، وهو يقوم في مجمع شيد في العام 1959، ويضم مئات المشاغل. ويخضع الفنانون السبعمئة العاملون فيه لتراتبية حازمة، على رأسها ثلاثون فناناً يوصفون بأنهم «فنانو الشعب»، ومنهم رو الذي يتمتع بامتيازات عدة منها انه يعمل في مشغل خاص به. ورغم أهمية هذا القطاع على الاقتصاد الكوري الشمالي، يتقاضى العاملون في مدينة الإنتاج هذه مبالغ زهيدة مقارنة بما يدرونه من مال. وهم يعملون وفق التوجيهات الفنية للنظام الشيوعي، فالتجريد في النحت مثلاً من الممنوعات، لانه يعبر عن ثقافة تراها السلطات معادية للثورة. ويقول هونغ شون اونغ (76 سنة) وهو أحد «فناني الشعب» في مدينة الإنتاج: «نحن نصنع أعمالاً تطلبها الثورة، من شأنها دفع الناس باتجاه الثورة»، وسبق ان نال هذا الفنان المتخصص في النقش على الخشب وفي الأعمال الدعائية للنظام مديحاً من الزعيم الكوري الشمالي، اذ وصفه بأنه أحد الفنانين الخمسة الكبار في البلاد. وإذا كان الكوريون الشماليون ممنوعين من السفر من بلدهم، إلا أن هذا الفنان أتيح له أن يسافر ويشارك في معارض في الخارج. المعرض الوحيد الثابت لأعمال «مانسوداي» يقع في حي الفن المعاصر 798 الراقي في شمال شرق العاصمة الصينية، وهناك يمكن العثور على المنحوتات والأعمال الفنية المصنوعة في مدينة الإنتاج هذه في كوريا الشمالية. اما الشراء المباشر من «مانسوداي»، فهو ممكن من الناحية النظرية، لكن العقوبات تصعب الأمور، فتحويل المال ممنوع الى كوريا الشمالية، وليس هناك امام الراغبين في ذلك سوى أن يسافروا بأنفسهم الى هذا البلد.