آخر من يعلم، آخر من يفعل، وآخر من يتعاطى الشأن الصربي - الكوسوفي هو مجلس الأمن الدولي. حلف الأطلسي هو المرجع الأول والأخير، حتى أن قرار الضربة العسكرية هو قراره وليس قرار الإدارة الأميركية، أو هكذا توحي المظاهر، مع أن العناصر الأساسية الفاعلة هي نفسها - كما بالنسبة إلى العراق - لكن آلية اعلان القرار تختلف. ومع أن للحرب المعلنة هدفاً معلناً هو، في النهاية، التوصل إلى اتفاق سياسي، هناك حرص واضح على أن لا يكون للأمم المتحدة أي دور. أي أن المنظمة الدولية لم تعد، في العرف الأميركي منذ زمن، وفي العرف الأطلسي بدءاً من الآن، الجهة التي يعول على "شرعيتها" لضمان أي اتفاق. الشرعية الدولية تكون أطلسية أو لا تكون. لا جديد في ذلك، وإنما هو النتيجة الطبيعية لممارسة "النظام الدولي الجديد" على الطريقة الأميركية، كما شهدها العالم خلال السنوات الأخيرة. الجديد هو ان نزع الشرعية الدولية من كنف الأممالمتحدة بات أمراً واقعاً بل مستهلكاً. بالطبع تطلب النزاع الصربي - الكوسوفي مثل هذه المعالجة، لأنه نزاع في أوروبا، ولأنه نزاع في البلقان، المنطقة التي أثبتت سابقاً أن كل الأخطار يمكن ان تأتي منها. بالطبع، أيضاً، يشكل اللجوء إلى "الأطلسي" حلاً يسمح بتفادي شبح حرب موسعة تُستقطب فيها دول أوروبا إلى هذا الجانب أو ذاك. ولكن، مرة أخرى، قد يكون مفهوماً ان لا تتمكن الأطراف المتورطة في النزاعات من كبح اندفاعاتها والسيطرة على رواسبها وانقساماتها، وقد شهدنا ذلك في البوسنة خصوصاً، أما ان تعجز الدول الكبرى - المنضوية تحديداً في الأطلسي - عن استشراف النزاعات واقتراح الوقاية منها، فهذا أيضاً من الأمراض التي اساءت ولا تزال تسيء إلى الأممالمتحدة ومصداقيتها. هل بات العالم بحاجة إلى منظمة دولية عسكرية لتفرض الأمن وتحفظ السلام، وبالتالي هل فقد حاجته إلى منظمة دولية سياسية لا تملك سوى وسائل سياسية أساساً للقيام بهذه المهمات؟ هل أن حلف الأطلسي هو "الأممالمتحدة" الجديدة للنظام الدولي الجديد؟ الأمر يتطلب توافقاً كالذي حصل حول المنظمة "القديمة" غداة الحرب العالمية الثانية. فلا شيء يبرر الاستمرار في جعل الأممالمتحدة مهزلة نهاية القرن، ومجرد مبنى للتباكي والتشاكي وللجدل البيزنطي حول صيغ لفظية معروف سلفاً أن واضعيها من الكبار هم أول من يستهزئ بها. من شأن "الأطلسي" أن يدعي مهمة أخلاقية وإنسانية في حملته على صربيا، لكن "الشفافية" الغربية لم تدفعه إلى شرح أسباب اهماله الوضع البلقاني وتركه يتفاعل على نحو قاتل ودموي. وحرب كوسوفو كانت معلنة قبل اندلاعها بزمن طويل، حتى ان الأمر يبدو كأن "الأطلسي" أعطى بلغراد كل الوقت اللازم لتحسم، ولما لم تفعل دعيت إلى التوقيع على اتفاق. في أي حال، وعلى سبيل المقارنة، بدت فوارق كثيرة في تعامل "الأطلسي" مع بلغراد وتعامل واشنطن مع بغداد، على رغم ان سلوبودان ميلوشيفيتش يماثل صدام حسين في أذهان الغربيين. وفي الحالين هناك خوف من الانعكاسات الاقليمية المحتمل خروجها عن السيطرة، لكن الفارق الأهم هو ان بغداد أبعد جغرافياً ثم ان الأزمة العراقية شكلت وتشكل أداة ابتزاز مثلى لجيران العراق، الأمر الذي لا يتوفر في حال صربيا.