أثار معرض الفنان التشكيلي المصري أحمد شيحا، الذي يعرض أعماله في "غاليري السيد" بدمشق، اهتمام الجمهور الدمشقي من فنانين، ومثقفين، ونقّاد. وقد توّج هذا الإهتمام بالندوة التي أقامتها الصالة على هامش المعرض وتحدث فيها كل من: علي القيم معاون وزيرة الثقافة، والناقد التشكيلي طارق الشريف، والمخرج السينمائي نبيل المالح، والفنان الناقد سعد القاسم، والناقد الفني عبدالله ابو راشد، وحسين نصرالله مسؤول القسم الثقافي في جريدة "الكفاح العربي". سرّ هذا الإهتمام يعود الى تجربة شيحا التي تحمل خصوصية معينة نابعة من ثقافة هذا الفنان العميقة وقراءته لتراث المنطقة التاريخي وحضاراتها القديمة، وبشكل خاص الحضارة الفرعونية، وفي الآن ذاته إطلاعه بحكم اقامته لسنوات في اميركا وفرنسا على آخر التجارب الحداثية في الفنون التشكيلية والبصرية وتقنياتها المختلفة. لذلك يمكن للمتلقي ان يلمس في اعمال شيحا، هذا التمازج المركّب والعميق بين القديم والحديث، وبين الأنا والآخر الذي أفرز عنده مفردات تشكيلية لها خصوصية جديدة، تحمل في طياتها هذا الهضم والتمثّل لتراث المنطقة التاريخي والحضاري من جهة، وللتيارات الحداثية المعاصرة من جهة اخرى. من زاوية ثانية، يجمع الفنان شيحا في لوحته بين تقنيات التصوير والغرافيك والنحت، وهذه المسألة أغنت لوحته بالعمق والأبعاد المركّبة، ومنحتها إمكانية إضافية للتفرّد الذي ذهبنا اليه. فالنحت يتجلّى من خلال علاقة الكتلة البارزة بالفراغ الذي يشكل خلفية اللوحة، المؤلفة من لدائن وعجينة لونية من مشتقات التراب الذي يحمل رائحة التاريخ، وقد توصل الفنان - كما قال - الى هذه العجينة من خلال بحثه المضني في المواد القديمة التي كانت تستخدم ايام الفراعنة. كذلك فان شغل الفنان على التصوير منح تكويناته صرامة ظهرت من خلال وضوح الخطوط، والمنظور. اما الغرافيك فقد تجلى من خلال الحساسية المدهشة للتدرجات التي تظهر على سطح اللوحة والشغل على التفاصيل والمنمنمات الكثيرة، خصوصاً عندما يستخدم بعض الرموز الدالّة على حضارات المنطقة، وبعض حروف اللغات القديمة التي سادت فيها. لا يؤسس الفنان شيحا لوحته على قماشة، وإنما يفرد مباشرة عجينته اللونية على الخشب الذي يؤسسه، ليكوّن خلفية اللوحة التي يغنيها بالأشكال المنحوتة، والعناصر اللونية، والإشارات الدالّة التي تلغي المسافة بين الأصالة والمعاصرة، وتقدّم مفردة تشكيلية جديدة تجمع بين هذه وتلك.