بعد 5 أعوام من العمل في قطر، عاد مرعي س. ه. الى لبنان من دون أن يخطر أحداً حتى والدته التي أراد أن يفاجئها. ما ان دخل الى منزله في سدّ البوشرية، حتى رأى والدته مقبولة 40 عاماً ترضع طفلاً. لحظة جمودٍ وذهول شلت الحركة في الأم والابن. لم تكن مقبولة تنتظر عودة ابنها، ولم تعرف كيف تشرح له وجود الرضيع بين ذراعيها، لكن عقدة لسانها حلّت بعد الصدمة، وأفهمت ولدها بأنها تزوجت شرعياً في غيابه من جارهم ابراهيم. س. وأنجبت منه طفلاً. غير أن ابراهيم خدعها وتركها وحيدة مع الطفل ولم تعد تسمع من أخباره شيئاً. جنّ جنون مرعي وأمسك سكيناً وطعن امه في صدرها وبطنها وظهرها. وبقي يشوّه جسدها حتى فارقت الحياة. ولما ألقت الشرطة القبض عليه، برّر جريمته بأنه أراد غسل شرف العائلة الذي لطّخته والدته، وأن القانون الى جانبه! فالمادة 562 من قانون العقوبات اللبناني التي تعود الى العام 1943، تنص على أن من يفاجىء زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنى المشهود، أو في حال الجماع غير المشروع، وأقدم على قتله أو إيذائه، يستفيد من العذر المحلّ الإعفاء من العقوبة. ومنذ 56 عاماً، لم تعدّل هذه المادة بالرغم من مطالبات الجمعيات الإنسانية عموماً، والنسائية خصوصاً، وبالرغم من توقيع لبنان العام 1996 "اتفاقية الغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة" الملزمة للدولة اللبنانية. لكن لجنة الإدارة والعدل أقرت أخيراً مشروع القانون الرامي الى تعديل المادة 562 عقوبات، بحيث يستفيد من يفاجىء زوجه أو أحد أصوله أو فروعه متسبباً بجرم الزنى من العذر المخفّف وليس المحل. الى ذلك، أعدّت لجنة الإدارة والعدل في المجلس النيابي اللبناني مشروع قانون لإلغاء التمييز كلياً بين الرجل والمرأة في قضايا الزّنى. تنتشر جريمة الشرف في لبنان في بيئات اجتماعية فقيرة غير منفتحة حيث تقتل الفتاة أو المرأة التي تضبط مع رجل في وضع غير لائق من قبل أخ أو أب أو ابن أو عم أو ابن عم. وفي دراسة حقوقية اجتماعية عن جرائم الشرف، تشير الباحثة منى زحيل يعقوب الى أن لجريمة الشرف في مناطق الهرمل وجرود بعلبك تقاليدها وطقوسها "فعندما تنحرف امرأة عن الطريق القويم، وتلحق العار بشرف العشيرة، ينزع كل رجال العشيرة كوفياتهم عن رؤوسهم علامة على الإهانة التي لحقت بهم، ولا يرتدونها إلا بعد غسل العار وقتل المرأة الزانية أو المنحرفة على يد قريب لها تختاره العشيرة". أما في الجنوب، ومنطقة لبنان الشمالي، فمعظم "ابطال جريمة الشرف ينتمون الى أكثر القرى تخلّفاً وبؤساً وفاقة". أما في بيروت "فتنتشر هذه الجريمة في الأحياء الشعبية حيث تنتشر الأميّة". ويقول عضو لجنة حقوق الإنسان في الأممالمتحدة، ورئيس لجنة البيئة في الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان، المحامي عبدالله زخيا ان "التشريع اللبناني في جريمة الشرف يعود الى العهود الغابرة والحضارات المندثرة، وكأن شيئاً لم يتغير في المفاهيم والحقوق والعلم منذ عشرات القرون". ويضيف ان "الإشتراعات العربية لا تمنح في معظمها إلاّ العذر المخفّف، ولا تأخذ بالحال المريبة، وتحصر المستفيدين من العذر المخفف في شكلٍ أضيق". ويعلّق زخيا على التعديل الأخير على القانون اللبناني قائلاً: "عوض أن يلغي هذه المادة كلياً كما هو حاصل في دول عربية عدة خصوصاً في دول المغرب العربي، أقدم على إبدال العذر المحل بالعذر المخفف". ويوضح أن "المادة المذكورة باتت تنص على أن مرتكب القتل أو الأذى يستفيد من العذر المخفّف إذا فاجأ زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حال مريبة مع آخر ما يعني حسب الأحكام الصادرة أن عقوبة الأشغال الشاقة والإعدام تخفض الى 8 أشهر من السجن، والعقوبات الاخرى الى 6 أشهر. فالمجني عليها تُقتل مرّتين: يوم قتلها، ويوم صدور الحكم". ويشير زخيا الى "الجور" الذي يطاول المرأة، فيقول: "إن زنت مرة واحدة تعاقب بجريمة الزنى، أما الزوج فلا يعاقب إلا إذا اقترف الزنى في البيت الزوجي أو اعتاده مع خليلة له وجهاراً. كأن المشترع أراد تشجيع زير النساء الذي يعتاد تغيير نسائه باستمرار فبرأه من جرم الزنى. في المقابل ان عقوبة المرأة الزانية مضاعفة. أما في موضوع الإثبات، فبالنسبة الى الزوجة الزانية تجوز جميع طرق الإثبات بما فيه البيّنة، ولا يجوز إلا الإقرار القضائي والجنحة المشهورة والوثائق الخطية بالنسبة للزوج. أمّا قوانين العدد الأكبر من الدول العربية، خصوصاً بلدان المغرب العربي وليبيا والكويت، وخلافاً للقانون اللبناني، فتساوي بين الرجل والمرأة لناحية شروط الجريمة ولجهتي الأدلّة والعقوبة". ويقول ان عدد الأحكام الصادرة عن المحاكم اللبنانية في هذه الجريمة قبل الحرب كانت زهاء 12 حكماً سنوياً، وان نسبة اللبنانيين بين المحكومين كانت 80 في المئة "وقد تكون ثمة حالات مموّهة، أو بقيت دون ملاحقة". ويضيف ان ملفات القضاء تبين ان وسائل القتل غالباً ما تكون "سكين المطبخ أو الساطور أو موسى الحلاقة أو العصا وغالباً ما تشوّه الضحية". وان الجاني، "وبنسبة 75 في المئة هو الأخ، الأمر الذي ينمّ بحسب علماء النفس عن غيرة جنسية مكبوتة". ويمكن تصنيف فئات الضحايا، بحسب زخيا، الى خمسة: ذوات السمعة السيئة أو التصرفات المشبوهة. النساء اللواتي افتعل أو غرّر بهنّ، مثال امرأة غرّر بها بحجّة الزواج حتى لو تزوّجت، أو خادمة تقع فريسة من يستخدمها، أو امرأة يعيدها زوجها الى أهلها بحجة أنها لم تكن بكراً، النساء اللواتي يتزوّجن خلافاً لرغبة أهلهن، مثال امرأة تزوجت من قبيلة غير قبيلتها دون موافقة أهلها، أو امرأة معدّة للزواج من ابن عمها وتزوجت من سواه من دون موافقة أهلها، النساء اللواتي زنين حتى لو صفح عنهن أزواجهن أو طلقوهن، وأخيراً، الداعرات. ويخلص زخيا الى استنتاج مخالفتين في القانون الجزائي اللبناني: "فهو يشرّع لجريمة الشرف مخالفاً الشرائع الدينية التي تحرّم القتل، كما يخالف شرعة حقوق الإنسان التي اعتمدها الدستور اللبناني، ويعطي الرّجل حقّ التصرف بحياة المرأة. فضلاً عن كل ذلك، فإن تخلف النص القانوني، وتساهل القضاء وتسامحه، يحضان الأفراد على ارتكاب هذه الجريمة البشعة، وبدلاً من أن يمنع القانون الجريمة يشجع على ارتكابها. وهذا التشريع الجائر على المرأة، والمخزي للرجل، هو تتويج لأوليّة الرجل على المرأة في تشريعات الأحوال الشخصية التي تضعنا تشريعياً في مصاف الدول المتخلفة".