مجلة جديدة في القاهرة يصدرها القطاع الخاص، وهي تجربة اخرى في المسار الصعب لمجلات عربية حاولت التخصص في متابعة الكتب فكانت اعمارها قصيرة، على رغم ان القطاع العام كان يمول معظمها. المجلة الجديدة يرأس تحريرها سلامة أحمد سلامة، ويرأس مجلس ادارتها الناشر ابراهيم المعلم الذي انتدب للتحرير عضو مجلس الادارة جميل مطر، ويرأس قسمها الفني حلمي التوني. اسماء موثوق بها وذات مراس، والعدد الأول يعطي للقراء وعوداً يحتاج تأكيدها الى اعداد لاحقة حين تتبلور شخصية المجلة، شخصية تبدو حائرة في العدد الأول، بين الميل البيبلوغرافي المتحفظ في الصفحات الاخيرة والميل الى اثبات فصول من كتب لم تنشر بعد كما الحال في مذكرات كريم ثابت والميل الى عروض كتب غير جديدة سبق ان صدرت قبل سنوات قليلة او كثيرة كما في عرضي كتابي "رسائل خاصة جداً" لتوفيق الحكيم و"تحرير المرأة" لقاسم امين. وتبدو شخصية المجلة حائرة ايضاً تجاه الكتب الاجنبية بين ان يعرض الكتاب كاتب عربي كما في تناول محمد حسنين هيكل تقرير المدعي المستقل كينيث ستار عن علاقة كلينتون - لوينسكي وحواشيها وتناول رياض طبارة كتاب بول تابوري "التاريخ الطبيعي للحماقة" وبين ترجمة المجلة عروضاً سبق نشرها في "نيويورك ريفيو أوف بوكس" و"لندن ريفيو أوف بوكس" ومقالاً يلخص افكار كاتب نشر في "فورين افيرز" الترجمات عن دوريات بالانكليزية فقط لا بلغات اخرى شرقية أو غربية. هذه الحيرة دليل غنى، ويمكن لادارة المجلة عندما تستطلع آراء عدد واسع من قراء عددها الأول ان تبلور صورة جديدة، نأمل ان يبقى المحل البارز فيها لعروض الكتب العربية والاجنبية بلا حدود ولمقاطع من كتب ستنشر لاحقاً، كي لا تتحول "الكتب - وجهات نظر" مجلة ثقافية عامة، وما اكثر هذا النوع بالعربية. ولأن الكتاب يبقى الحدث الثقافي الأبرز في عالمنا اليوم، خصوصاً ان مكتبات اللغات الحية كالانكليزية والفرنسية والألمانية والاسبانية تحفل بأنواع المعارف كلها وبالوجوه المتعددة لكلمة ثقافة، فلا تقتصر هذه الكلمة على مجالات الأدب والتاريخ والفلسفة والسياسة. من القاهرة تصدر "الكتب - وجهات نظر"، من المكان العربي الأكثر عراقة والأكثر حقيقية في تجربة التحديث، يساعد على صدورها مناخ ليبرالي ووعي بتجارب الماضي المريرة التي كانت تفرض حجباً لأفكار ومراحل من التاريخ المصري والعربي. وربما تستعيد المجلة، بل تجدد، الليبرالية المصرية التي اغنت الفكر العربي في هذا القرن وفي اخريات القرن التاسع عشر، فلا تكتفي بالانفتاح على ثقافات العالم بل تنفتح ايضاً على الثقافة المكتوبة بالعربية في مختلف انحاء العالم العربي، وتكرس تجاور العرب كتاباً ومكتوباً عن اعمالهم على صفحاتها. وبين أبرز ما يعلنه العدد الأول وما يدعو الى الترحيب، هذه اللغة الواضحة والمرنة والدقيقة في عروض الكتب، فلا مكان لغموض مفتعل يشكو منه القراء العرب ويعود في الأساس الى ان كثيراً من الكتّاب الشائعين لا يدركون تماماً الموضوع الذي يكتبونه فيأتي تعبيرهم عنه غامضاً. فكيف توصل الى القارئ أمراً لم تكتمل معرفتك به، وكيف تنقد هذا الامر اذا لم تكن استوعبته واستطعت وضعه في مساره المعرفي وبالتالي مقارنته بمثيله ونقيضه حتى يكتمل اهاب العمل النقدي؟ يقول جميل مطر في تقديم العدد الأول: "نتمنى ان تكون المجلة بمثابة دعوة شهرية مفتوحة الى جيل ليعود الى الكتاب بعد ان هجره واستمرأ هوايات اخرى. نريدها حلقة اتصال بين جيل اصبح - بالتقادم وبالعادة وبضغط الظروف - يكاد لا يكتب الا لنفسه، وجيل تحت ضغوط السرعة والتكنولوجيا يكاد لا يقرأ الا ما فرضته عليه مدرسته وجامعته ... وتتوجه المجلة كذلك الى قراء نشعر انهم هائمون يبحثون عن مكان بين الصحافة والفكر. هؤلاء لا تشبعهم الصحافة بكل ابهارها ولا يجذبهم الفكر لصعوبة تناوله. انهم يريدون مكاناً وسطاً، نأمل ان تخلق المجلة هذا المكان الوسط ثم تجد لنفسها مكاناً فيه...". "الكتب - وجهات نظر" وعد تحقق، فنتمنى ان يتبلور ويستمر ولا يكون قصير العمر كغيره من التجارب المماثلة