في الوقت الذي تتردد فيه اصداء احتضار العاهل الاردني الملك حسين في ارجاء المنطقة، يتركز انتباه الكثير من زعماء العالم على ابن الملك وخليفته، عبدالله بن الحسين الذي يبلغ عمره 37 عاماً. وكان الملك حسين اعلن اثر عودته الى الاردن في 19 الشهر الماضي انه شفي 100 في المئة من سرطان الغدد اللمفاوية، لكن لم تمض سوى بضعة ايام حتى سارع للعودة الى مستشفى "مايو كلينيك" في الولاياتالمتحدة. وخلال تلك الايام، عزل الملك شقيقه الامير حسن من منصبه كولي عهد، وهو الموقع الذي شغله طوال 34 سنة، واستبدله بنجله البكر عبدالله. عُيّن الامير حسن ولياً للعهد عندما كان عبدالله لا يتجاوز الثالثة من العمر، في وقت كان فيه الملك نجا من محاولات اغتيال عدة، وكانت هناك حاجة لتثبيت خلف جدير بالثقة. وأصبح واضحاً منذ وقت طويل ان الملك حسين كان يريد ان يعود العرش الهاشمي الى اسلافه المباشرين. وكان هناك انطباع بأن الامير حسن يطمح الى تعيين ابنه ولياً للعهد بدلاً من احد ابناء الملك حسين. وكان الامير حسن وصياً على العرش اثناء غياب الملك لتلقي العلاج في الولاياتالمتحدة، وسعى خلال الاشهر الستة الماضية بثبات الى إبراز دوره في الاردن ووسط زعماء دول المنطقة. ووجه الملك حسين انتقادات قاسية الى ما سماه "حملة الهمس" ضد زوجته الحالية، الملكة نور، وبعض ابنائه - خصوصاً حمزة 19 عاماً، ابنه الاكبر من الملكة نور. كما اثار ولي العهد السابق استياء المؤسستين العسكرية والديبلوماسية بمحاولته التأثير على تعيينات داخل القوات المسلحة ووسط السفراء. ويلبي اختيار الامير عبدالله واحداً على الاقل من اهداف الملك حسين: إعادة التوارث على العرش الى اسلافه المباشرين. لكن من المحتمل ان الملك كان يفضل ان يتبوأ حمزة العرش في النهاية. وامضى حمزة السنوات الاخيرة على مقربة من والده ولم يفارقه طوال وجوده على فراش المرض في الولاياتالمتحدة. وعلى رغم ذلك، اخذاً في الاعتبار ان الحال الطبية للملك حسين كانت اخطر مما جرى الاعتراف به، لا بد انه ادرك ان الوقت لن يسمح بتهيئة الامير حمزة - او حتى الاردن بالذات - بما يكفي ليخلفه على العرش. ويرجح ان يعيّن حمزة في منصب ولي العهد الجديد حالما يصبح عبدالله ملكا. كان رد الفعل الاولي على تعيين الامير عبدالله متبايناً، وبدأ الكثير من الاردنيين يعتادون على الامير حسن الذي تفتقر شخصيته الى الجاذبية كوصي على العرش. لكن الامير عبدالله يتمتع بمزايا عدة تجعله اكثر شعبية من عمه الاقل حيوية. ويقول كثيرون في الاردن ان الامير عبدالله يذكّرهم بالملك حسين في ايام شبابه - بما لديه من ولع مماثل بالسيارات السريعة وشغف بالرياضة والطيران. وكان تلقى تعليمه، مثل ابيه، في بريطانياوالولاياتالمتحدة، اذ درس في جامعة اكسفورد وكلية ساندهرست لتدريب الضباط. وعلى رغم ان امه انكليزية، وغير مسلمة بالاصل، فان زواجه من الاميرة رانيا، التي تتحدر من عائلة فلسطينية بارزة، سيساعد ايضاً على تعزيز شعبيته وسط الاردنيين من الاصول الفلسطينية بينما زوجة الامير حسن باكستانية. كما يحظى الامير عبدالله باحترام القوات المسلحة وولائها، فهو يتولى قيادة القوات الخاصة - وهي قوات النخبة المكلفة الحفاظ على الامن الداخلي. وفي العام الماضي، بعدما قاد عملية حظيت بتغطية اعلامية واسعة تم خلالها اقتحام مخبأ لمسلحين كانوا قتلوا ثمانية اشخاص في منزل في احدى ضواحي غرب عمّان، هتف الاردنيون باسمه في الشوارع. ويتوقع ان يلقى اختيار عبدالله ملكاً للبلاد ترحيب غالبية السكان، على رغم انهم لم يُمنحوا وقتاً كافياً للاعتياد على الفكرة. ونظراً لذلك، يتوقع ان تتحد العائلة المالكة على العرش في الاشهر المقبلة، وسيكون من المستغرب تماماً اذا حاول الامير حسن ان يعمل ضد الملك الجديد. وسيواجه الملك الجديد تحديات كبيرة في السنوات القليلة المقبلة، في الداخل والمنطقة على السواء. وفي الوقت الذي سيفتقر فيه بالطبع الى خبرة والده وحدة ذهنه، فان مؤسسات الدولة ستدعم الملك الشاب، وسيعطيه الشعب - الذي توحّده مشاعر الحزن لوفاة لملك حسين -، في البداية على الاقل، وقتاً لاثبات أهليته. ويتمتع النظام الملكي الهاشمي بقدر كبير من الشرعية، خصوصاً وسط سكان شرق الأردن الذين يؤلفون العمود الفقري للجيش ويشغلون المواقع الرئيسية في الحكومة. الى ذلك، يريد معظم الاردنيين ان يستمر الاستقرار الذي نعموا به في السنوات الاخيرة، ومن المتوقع ان يكون التأييد الذي تلقاه المعارضة ضئيلاً. وسيزيد من احتمال نشوب اضطرابات داخلية ما يعانيه الاقتصاد من مشاكل، والحاجة الى ان توازن السلطات بين متطلبات تسريع النمو الاقتصادي - للبدء بخفض المستوى المرتفع للبطالة - وبين المزيد من اجراءات التقشف المدعومة من "صندوق النقد الدولي" ويحتمل ان تكون ضرورية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي. لكن استقرار الاردن سيتوقف في النهاية على التوصل الى تسوية عملية بين الفلسطينيين والاسرائيليين في شأن الاراضي المحتلة، اخذاً في الاعتبار ان معظم سكان الاردن من اصول فلسطينية. وستشهد الاشهر المقبلة سلسلة مناسبات اساسية، قد تكون حاسمة، تتعلق بعملية السلام. وكان الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات اعلن ان 4 ايار مايو - وهو الموعد المحدد لاعلان دولة فلسطينية بموجب اتفاق اوسلو - هو "موعد مقدس". وهدد رئىس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو انه سيقوم بضم الاراضي المحتلة بالقوة اذا اعلنت القيادة الفلسطينية الاستقلال من طرف واحد، وهو ربما أدى الى حرب اخرى في المنطقة. وفي ظل هذه المخاطر الكبيرة، من المحتمل ان يؤجل اعلان الدولة الفلسطينية، على الاقل الى ما بعد الانتخابات العامة في اسرائيل بالذات - اذ ربما حل مكان نتانياهو المعروف بعناده رئيس وزراء اكثر ميلاً الى السلام. ومع تعطل عملية السلام حتى منتصف السنة الجارية على اقل تقدير، يمكن لخصوم اكثر تطرفاً لاسرائيل، مثل حركة "حماس"، ان يستغلوا عدم انجاز الاتفاق في موعده النهائي لتأجيج مشاعر الفلسطينيين في الاراضي المحتلة وفي الاردن بالذات. وفي حال إعادة انتخاب نتانياهو، ستموت عملية السلام فعلياً، وتنهار سياسة الاردن الرامية الى تطبيع العلاقات مع اسرائيل المستندة على مصالح اقتصادية واستراتيجية مشتركة. كما يبقى الاردن عرضة الى الخطر - وإن يكن بدرجة اقل - نتيجة اضطرابات تثيرها احداث في العراق. وفي الوقت الذي يبدو فيه ان هناك انقساماً متزايداً بين الحكومة و "الشارع" في كثير من الدول العربية في ما يتعلق بكيفية التعامل مع الضربات الجوية الاميركية - البريطانية ضد العراق والعقوبات التي تواصل الاممالمتحدة فرضها عليه، يتسم الوضع في الاردن بأنه متفجر. فالعلاقات بين العراقوالاردن، وبين شعبيهما، وثيقة جداً تاريخياً، وواجهت المملكة في احيان كثيرة صعوبة في تحقيق توازن دقيق بين توجهها الموالي للغرب وتعاطفها مع العراق. وادى الامتناع عن تقديم دعم فاعل للائتلاف الدولي ضد العراق اثر غزو الكويت الى تكبد خسارة كبيرة بسبب فقدان الدعم المالي من دول الخليج. وفي الفترة الاخيرة، اقترب الاردن اكثر من موقف جيرانه الخليجيين، بينما شارك اردنيون في عدد من التظاهرات تأييداً للعراق. وعلى رغم انه يمكن لبعض العناصر الاكثر رجعية ان تسعى الى استغلال اي شكوك تحيط بعملية انتقال السلطة، وان تحاول اثارة اضطرابات، فان ولاء الاجهزة الامنية سيضمن عدم اتساع نطاقها. ومن المؤشرات الاكثر ايجابية بالنسبة الى الاردن ان علاقاتها مع دول الخليج ستزدهر في السنوات المقبلة، كما يدل على ذلك إعادة فتح السفارة الاردنية في الكويت. ويذكر ان الامير عبدالله اقرب الى جيل الشباب من اولياء العهد في الخليج واقام صلات قوية مع العائلات الحاكمة. ويمكن توقع ان تدعم المملكة العربية السعودية والكويتالاردن بقوة خلال الاشهر المقبلة، في مسعى لاسناد الملك الجديد. وللسبب نفسه، ستحرص الولاياتالمتحدة على ايجاد سبل لزيادة المساعدات التي تخصصها للمملكة بما يصل الى 100 مليون دولار. فالاردن هو اكثر الدول تأييداً للولايات المتحدة في المنطقة، وتسعى ادارة كلينتون الى ضمان ان يبقى على هذا الحال. * مديرة قسم الشرق الاوسط وشمال افريقيا، في "وحدة المعلومات الاقتصادية" البريطانية.