رغم الارتياح الشعبي الكبير في الداخل، والدعم العربي والدولي الواضح للتغيير في الأردن، فإن اختيار الملك حسين لنجله الأكبر وصاحب الحق الدستوري الأول الأمير عبدالله لخلافته على العرش لا يروق لبعض وسائل الإعلام الاسرائيلية والغربية. إذ شنت الصحف الاسرائيلية والأميركية حملة تستهدف التشكيك بمستقبل الأردن وأمنه واستقراره بمجرد الاعلان عن نية الملك حسين احداث تغيير في ولاية العهد وقبل الاعلان عن خلفه الجديد. ويبدو أن هذه الوسائل ترى غير ما يراه الملك حسين في مصلحة بلاده ونظامه السياسي بعد 47 عاماً في السلطة، وما تراه الغالبية الساحقة من الأردنيين وأهم الخبراء في شؤون المنطقة. فالأردن، في نظرها، انتقل بين ليلة وضحاها من واحة للاستقرار في الشرق الأوسط الى حال من التخبط وعدم الاستقرار والضياع من دون أن نعرف كيف حدث ذلك! لا يمكن النظر بسذاجة الى الحملة السياسية التي تشن اعلامياً اليوم ضد ولي العهد الأردني الجديد والاجندات الخفية التي تقف وراءها بحجة حرصها على مستقبل البلاد والعباد. ففيما تم حسم الخلافة على عرش الأردن في أفضل وأوضح شكل ممكن. هناك دول كثيرة أكبر وأهم من الأردن استراتيجياً، لا يعرف الرجل الثاني فيها، ولا نرى قلقاً مماثلاً على مستقبلها واستقرارها من جانب وسائل الاعلام ذاتها، إلا إذا كنا نريد تصديق الكذبة الكبرى بأن الاعلام الغربي منزّه عن الاجندات! فنحن شهدنا غير مرة كيف يتحول الحليف الصديق للولايات المتحدة - بقدرة الاعلام - الى عدو لدود، وبالعكس، بحسب مقتضيات المصالح الغربية واجنداتها المعروفة. كما اننا نعرف المحرك الرئيسي للإعلام الأميركي الذي حول الرئيس الفلسطيني من ارهابي منبوذ في نظره الى رجل دولة يستقبل في البيت الأبيض بمجرد موافقته على الانضمام الى المفاوضات مع اسرائيل. وتهدف الحملة الاعلامية - السياسية الخارجية ضد التغيير في الأردن الى ابتزاز المملكة كي تقدم الولاء والطاعة للقوى التي تقف وراء هذه الحملة. فالثابت ان الاسرائيليين، رغم حيادهم العلني تجاه التغيير في الأردن، ليسوا مرتاحين بالضرورة الى الوجه العربي للأمير عبدالله الذي كانت معظم زياراته خارج المملكة الى دول عربية، ولم يَبْدُ متحمساً لزيارة اسرائيل. كما ان زعماء ليكود، ومن أبرزهم نتانياهو وشارون، الذين يعتقدون أنهم حققوا اختراقاً بإقامة علاقات شخصية مع العهد السابق، ليسوا مقتنعين بالضرورة بأن الأمير حسن كان يمثل السياسة الأردنية نيابة عن الملك وان المسألة لم تكن شخصية في يوم من الأيام. في كل الأحوال، لم يأتِ ولي العهد الأردني الجديد على ظهر دبابة، بل بترتيب دستوري واضح من صاحب الولاية والقرار، وهو ما استقبله الأردنيون بارتياح واضح وعلى رأسهم الأحزاب الأردنية المعارضة. وربما نسي المشككون، الذين يأخذون على الأمير عبدالله قلة خبرته السياسية، ان والده تسلم السلطة ملكاً عندما كان في نصف عمره وفي ظروف أقل استقراراً. وان الأمير حسن نفسه تسلم ولاية العهد في الثامنة عشرة من عمره. ولعل المؤشرات الاقتصادية في الأردن تتحدث عن نفسها: فعندما غادر الملك حسين في رحلة علاجه الأولى قبل سبعة أشهر، غادرت معه مئات الملايين من الدولارات بسبب قلق الأردنيين على مستقبلهم من بعده، وهو ما لم يحدث عندما غادر الاسبوع الماضي إثر انتكاسته الأخيرة بعدما حسم التغيير في ولاية العهد.