عندما حمل العاملون في الصحافة المغربية الاسبوع الماضي شارات الاحتجاج لحض المسؤولين على تحسين اوضاعهم، كان واضحاً ان المسألة الاعلامية في المغرب خرجت عن نطاق دائرة الصمت. قبل ذلك نفذ العاملون في الاذاعة والتلفزيون تجربة مماثلة اعتبرت الاولى من نوعها. وحين اجتمع رئيس الوزراء عبدالرحمن اليوسفي مع صحافيين مغاربة الى مائدة افطار في رمضان صرح بأن الاعلام يحظى بالأولوية لدى حكومته، ولم يترك اي وزير مغربي اي فرصة تمر من دون انتقاد اداء الاعلام الرسمي، لكن احتجاج الصحافيين في مؤسسات تابعة لاحزاب مشاركة في الحكومة، اعاد خلط الاوراق، خصوصاً ان خمسة وزراء ورئيس الحكومة يتحملون مسؤوليات سياسية في ادارات الصحف. فهل كان الاحتجاج موجها ضد الحكومة ام ضد الاحزاب؟ الأرجح ان الامر يتجاوز الاطار السياسي نحو ارساء تقاليد اعلامية مهنية، فثمة شعور متزايد ان الاعلام المغربي اقل قدرة على تأكيد الحضور والمنافسة، ولذلك حرص وزير الاتصال الاعلام محمد العربي المساري على ان يعرض امام مجلس الحكومة الاسبوع الماضي مضمون نتائج استطلاعات للرأي، اكدت ان نسبة الاقبال على مشاهدة القناتين الاولى والثانية في التلفزيون المغربي تناهز 70 في المئة في مقابل نحو 30 في المئة موزعة بين الفضائيات العربية والاجنبية. وجدد التزامه المضي في خطة اصلاح الاداء الاعلامي، علماً ان وزير الاعلام هو المسؤول عن الاذاعة والتلفزيون والقناة الثانية ووكالة المغرب العربي والمركز السينمائي وجريدة الانباء الرسمية. ومهد الوزير المساري لممارسة هذه الصلاحيات بتأكيده مرات انه مهتم بتغيير العقليات في الفضاء الاعلامي الرسمي، لكن رهانه على حدوث ذلك يراوح مكانه. وقال مسؤولون مغاربة ل "الحياة" ان هناك تصورات مطروحة لاصلاح الاعلام الرسمي ضمن منظور شامل، يهدف الى رفع احتكار الدولة للاعلام المرئي والمسموع ضمن الحفاظ على الدور التقليدي في حماية الموروث الثقافي والافساح في المجال امام تكريس التعددية والمنافسة، كما يطمح الى احداث مجلس اعلى للاعلام. لكن القوانين المنظمة للاعلام في المغرب لا تزال قيد الدرس، وقال وزير الاسكان محمد اليازغي الذي يدير صحيفة "ليبيراسيون" ان اصلاح الاعلام سيأتي في الوقت المناسب، وربط ذلك باصلاحات شاملة تلتزمها الحكومة التي "تحظى بغالبية نيابية ودعم شعبي واسع" بحسب تعبيره، مما يعني اعتبار الاصلاح في الاعلام جزءا من خطة سياسية. في المقابل يؤكد المسؤولون في الصحف ان نسبة توزيعها تكاد لا تتجاوز مئتي الف نسخة يومياً، في بلد يقارب سكانه 28 مليون شخص، علماً ان الصحف التابعة لحزبي الاتحاد الاشتراكي والاستقلال تستأثر بالقسط الوافر من هذه النسبة، ولا تنافسها في ذلك غير منشورات "ماروك سوار" القريبة الى الحكومة. ويعتبر مراقبون احتجاجات الصحافيين المغاربة ضد المؤسسات التي يعملون لديها ظاهرة ايجابية تعزز الانفتاح الاعلامي والسياسي. لكن اوساطاً اخرى تربط الاشكالات المحيطة بالمسألة الاعلامية في المغرب بجوانب سياسية وثقافية، اذ ردد رئيس الوزراء ان تكريس ثقافة المشاركة بديلاً لسياسة المعارضة يحتاج الى مزيد من الوقت، في حين رأى سياسيون متحالفون معه في الحكومة ان ابقاء هامش النقد في صحافة الاحزاب المشاركة في الجهاز التنفيذي يعزز الحوار السياسي، مما يعني ان خطوات الاصلاحات موزعة بين المواقف السياسية والالتزامات المهنية. واكثر ما يخشاه المسؤولون في صحافة الاحزاب المشاركة في الحكومة ان يتحول دعمها المطلق الى عائق امام الانتشار، بخاصة ان القارئ المغربي اعتاد ثقافة الاحتجاج. لكن احداً من المسؤولين لم يكن يتصور ان الاحتجاج سيأتي هذه المرة من الاعلام الذي تسيطر عليه صحافة الاحزاب . ويرتبط احتفاظ وزراء مغاربة بمناصبهم مديرين للصحف الحزبية بالتزامات سياسية، فالمعارك التي نشأت حول السيطرة على الصحافة تجد مرجعيتها في خلفيات سياسية غذتها ظاهرة الانشقاقات السابقة التي يبدو ان الاحزاب المغاربية تجاوزتها الآن، وسيكون عليها ان تستوعب مظهراً آخر للاحتجاجات من داخل المشهد الاعلامي.