من ميزات شهر رمضان المبارك في المغرب، فضلاً عن احياء تقاليد صلة الرحم وإعمار المساجد، انه ساهم في تعليق احتجاجات بلغت حد الاضراب عن الطعام. اذ أعلن عشرات الشبان المكفوفين من حملة الشهادات الجامعية، كانوا يعتصمون في الرباط، أنهم أوقفوا الإضراب احتراماً لقدسية الشهر المبارك، وسيعاودون الاحتجاج بالطريقة ذاتها بعد رمضان لحض الحكومة على حل مشاكلهم. طقوس الشهر المبارك لم تحل دون تنامي الاضرابات في قطاعات الصحة والبريد والسكك الحديد والمصارف، وهي شملت للمرة الأولى العاملين في قطاع الاعلام المرئي والمسموع، فبعد الاعلاميين في القناة الثانية حمل الصحافيون في الاذاعة والتلفزيون شارات الاحتجاج، من دون التوقف عن العمل، وأبلغوا وزير الاتصال الاعلام محمد العربي المساري الذي كان قبل توزيره أميناً عاماً لنقابة الصحافة، ان الوقت حان لنفض الغبار عن ملفات الاعلام المغربي. المحور الذي تندرج في سياقه احتجاجات الشارع المغربي يبدو موزعاً بين هموم عشرات الآلاف من الشبان حملة الشهادات الجامعية الذين يضغطون في اتجاه دمجهم في سوق العمل، وبين هموم العاملين في القطاعين العام والخاص الذين يتوقون الى تحسين أوضاعهم، تحديداً من خلال تنفيذ الاتفاقات التي أبرمت بين الحكومة السابقة والمركزيات النقابية وأرباب العمل. ويبدو ان المعارضة الحقيقية التي تواجهها حكومة عبدالرحمن اليوسفي تكمن في تنامي هذه الاحتجاجات، وان كان المسؤولون يربطون حل الإشكالات بانجاز اصلاحات شاملة. تطاول تحديث الاقتصاد وجلب الاستثمارات وتأهيل القطاع الخاص، مما يتطلب مزيداً من الوقت والجهد. قبل انتقال أحزاب المعارضة السابقة الى تحمل المسؤولية الحكومية كان لافتاً انها تستخدم ضغوط المركزيات النقابية لتضييق الخناق على الحكومات، تحديداً من خلال دعوات الى الاضرابات في كل القطاعات. لكن علاقاتها والمركزيات النقابية ذات التأثير القوي باتت محكومة بمتطلبات الالتزام السياسي، لأن هذه النقابات محسوبة على احزاب اساسية في التشكيلة الحكومية الحالية، مع ذلك بات تململ الشارع ازاء عدم تنفيذ الوعود السابقة قبل تولي المعارضة مسؤولية الجهاز التنفيذي، يحتم توجيه رسائل الانذارات. واكثر ما يخشاه الزعماء النقابيون ان يقود استمرار دعمهم الحكومة الى انفلات التأطير النقابي، خصوصاً وقد بدا ان التيارات الاسلامية وبعض أطراف المعارضة ذات التوجه اليساري، اثبتت قدرة أكبر في التنظيم والاستيعاب، من خلال تظاهرة التضامن مع العراق، التي غابت عنها الاحزاب المشاركة في الحكومة. وسبب هذا الغياب تباين في وجهات النظر طاول الاعلان عن تنظيم التظاهرة، ثم تردد أنباء عن تأجيلها، ما حدا بالأطراف الأخرى الى اغتنام الفرصة لإعلان المشاركة عبر رسالة تبدو موجهة الى الحكومة تحت مظلة التضامن مع شعب العراق. وما يزعج الحكومة المغربية ان الرأي العام يطلب منها الكثير، وهي بمقدار ما تبدو مرتاحة الى مظاهر الدعم الخارجي، فيما يستأثر وسط اليسار بالحكم في بلدان أوروبية عدة، فإنها تبدو مقيدة في تحركاتها، لجهة الامكانات المتاحة لتحقيق التغيير بسرعة، أو على مستوى التعامل مع الملفات الاجتماعية التي تشكل العناوين البارزة في أزمة البلاد. المكفوفون الشباب علقوا اضرابهم عن الطعام لمناسبة شهر رمضان، لكن رمضان سينتهي، وان كانت حركة الاحتجاجات احد مظاهر توسيع الحريات العامة فهذا المكسب لا يصمد أمام تزاد حاجات الناس، لأن الحرية تظل ترفاً ان لم ترافقها انجازات. والمثال الذي يقدمه المكفوفون يجب ان يفتح عيون المسؤولين جيداً، بحسب تعبير نقابي متمرس. أحدهم قال ان مرور نحو عشرة أشهر من عمر الحكومة الجديدة يعني انها كانت ملزمة تنفيذ نحو 20 في المئة من التزاماتها قبل الانتخابات التي قضى الدستور المعدل باجرائها مرة كل خمس سنوات. لكن المفارقة تبدو مثيرة، ففيما تحظى الحكومة بدعم المركزيات النقابية القريبة الى احزابها، تمارس هذه النقابات ذاتها ضغوطاً على الحكومة، والأرجح ان اللعبة باتت موزعة بين أطراف الحكومة، فهي تمارس الحكم والمعارضة في آن.