منذ ما يزيد قليلاً عن الشهر، تتعرض أستاذة الأدب العربي المعاصر في الجامعة الأميركية بالقاهرة، الناقدة سامية محرز، لحملة من الصحف، ومن جامعتها أيضاً، لقراءتها مع تلاميذها رواية "الخبز الحافي" للمغربي محمد شكري. الرواية التي هي سيرة ذاتية للمؤلف كانت قد لقيت منذ صدورها قبل نحو ثلاثة عقود ترحيباً لم يزل مستمراً في أوساط القراء والنقاد العرب، كما أنها ترجمت الى لغات عدة ولقيت إقبالاً مشابهاً من قرائها باللغات الأجنبية. الآن بعد انقضاء هذه السنوات على صدورها وشيوعها تتعرض الرواية للمنع في جامعة مثل الجامعة الأميركية في القاهرة. ذاك أنه في السابع عشر من كانون الأول ديسمبر الفائت، استدعيت الأستاذة محرز الى مكتب رئيس الجامعة حيث طلب منها أن تتراجع عن تعليم الكتاب لطلابها وأن تعتذر لهم أيضاً عن اقتراحه موضوعاً للدرس والمناقشة. أما كيف اضطرت ادارة الجامعة الى اتخاذ قرار كهذا فهو الأمر المهم في مسألة المنع هذه ما دام أن "الخبز الحافي" ليس الكتاب الأول الذي يُحجب عن قرائه و"يمنع من التداول". في الجامعة الأميركية بالقاهرة وشى الطلاب على أستاذتهم، لأهلهم، وهؤلاء بدورهم أوصلوا صوتهم الى رئاسة الجامعة عبر موظف فيها هو طبيبها، كما ورد في البيان الذي وزّعه أستاذان عربيان في اثنتين من جامعات الولاياتالمتحدة هما جامعة كولومبيا وجامعة كاليفورنيا. لم يعدُ الأمر كونه وشاية متصلة انتقلت من لسان الى لسان، أو أن ذلك، على الأقل، جرى بطريقة ما تجري الوشاية وكان ينبغي أن يعامل الخبر الذي هو موضوعها مثلما تعامل الوشايات المفسدة: أن تطوى في مهدها منعاً للقيل والقال. مسألة مثل منع كتاب أو ايقافه كان أحرى بها، في الجامعة الأميركية في القاهرة، أن تتحوّل الى موضوع نقاش علني، أو جامعي على الأقل حيث لا ينبغي لمجموعة من الطلاب أو أهاليهم فرض أوامرهم ونواهيهم على الجامعة. وإذ ترضخ الجامعة لذلك، تكون توسع للإختراق الذي تقوم به الجماعات من حولها وتعد، في الوقت نفسه، بقبولها المزيد منه. أحد المسؤولين في الجامعة الأميركية ببيروت قال مرة، في خلال سنوات الحرب، أن الجامعة، في حالة الطوارىء الأهلية تلك، تقبل بما لا تقبل به في العادة. في جامعة القاهرة الأميركية يدلّ تدخّل الجماعات وطول باعهم على نوع من حالة طوارىء أهلية، ربما كانت من نوع آخر. الطريق الذي سلكته الوشاية، من التلاميذ الى أهلهم الى الموظف الطبيب التابع للإدارة تذكّر بما يمكن أن يحصل في مدرسة خاصة بحي من أحياء القاهرة وليس في جامعة ذات تاريخ كالجامعة الأميركية. الدكتورة سامية محرز اضطرت الى أن تسحب "من التداول" كتاب محمد شكري الذي كانت قد بدأت بتدريسه. وهي، في امتحان طلابها، لن تضمّن أسئلتها سؤالاً عنه. لكن ذلك لم يُرض الجماعات الطويلة الباع والتي عمدت، بباعها الطويل نفسه، الى إخراج المسألة من إدارة الجامعة الى التحريض العام. في البيان الذي وزّعه الأستاذان العربيان في الولاياتالمتحدة، اشارة الى الحملات التي تتعرض لها سامية محرز من الصحف. والجامعة مرة أخرى استمرت بالرضوخ الى الحملة فأبعدت من مكتبتها، كما يقول البيان، رواية صنع الله ابراهيم "تلك الرائحة" التي تشكل، هي أيضاً، علامة بارزة في الرواية العربية، وعلى الطريق هناك روايات أخرى بينها "موسم الهجرة الى الشمال" الرواية الشهيرة للطيب صالح. ذلك يخفض الجامعة الى مستوى المدرسة، مدرسة الحي التي لا يتعلم فيها التلاميذ إلا ما يفهمه أهلهم ويريدونه.