فيما تسارع الشركات والوكالات الحكومية الى حل مشكلة عام 2000 الكومبيوترية، اكتشفت ان المشاكل لا تقبع في غرف الكومبيوتر وفي الأجهزة الشخصية فقط، ما جعل الانقباض يسود في صفوف الجميع. فثمة مخاطر كامنة في بلايين الشرائح التي تقوم بعدد كبير من الوظائف، مثل مزج الوقود في محركات السيارات والتحكم بالمصانع وآلياتها ومثل المعدات الطبية، وحتى في المراحيض التي تُغسل على نحو آلي. وجعلت مشكلة عام 2000 الناس يدركون ما يدركه ويعرفه الناشطون في قطاع الكومبيوتر منذ فترة طويلة وهو ان أجهزة الكومبيوتر الخفية المخبأة التي يتألف الواحد منها أحياناً من شريحة واحدة، أكثر تعداداً بكثير من الأجهزة المكتبية. ويقول جيم تورلي، كبير محرري نشرة مايكروبروسيسر ريبورت، التي تصدر مع غيرها عن قطاع الكومبيوتر: "ما يستخدم من شرائح الكومبيوتر في أجهزة الكومبيوتر هو تقريباً صفر في المئة". وهذا الرقم، الذي يعطيه تورلي، يبعث على الدهشة والاستغراب، لكنه ليس بعيداً عن الواقع. ففي تقدير شركة أبحاث السوق الأبحاث في مجال التسويق، داتاكويست، ان 4.6 بليون من هذه الشرائح غير المنظورة، التي تعرف بالشرائح المركبة أو الدفينة بيعت في عام 1997 وحده. لكن العام الماضي شهد بيع نحو مئة بليون شريحة وظيفتها القيام بالحسابات في أجهزة الكومبيوتر. لكن ما يستحوذ على الاهتمام هو الشرائح المركبة في الأجهزة الشخصية، لأسباب منها أن هذه الشرائح، مثل شريحة بنتيوم، تكلف الواحدة منها عشرات أو مئات الاضعاف أكثر مما تكلفه الشريحة التي تتحكم بفرن الضغط على سبيل المثال أو تتحكم ب "فيربي" وهو الحيوان الالكتروني الاجعد الذي يتخذ مواقف معينة. وبالاضافة الى هذا تشكل الشريحة أمراً يجب الاهتمام به من كل من يرغب في شراء جهاز شخصي، بينما نادراً ما يدرك المستهلك ان في فرنه مثلاً شريحة تتحكم به. ويقول تورلي بهذا الصدد: "لا يقول أحد منا مثلاً انه اشترى غسالة جديدة فيها شريحة موتورولا". ومنذ فترة طويلة والسوق الخاصة بهذه الشرائح الخفية المركبة الدفينة شكلت ملجأ للشركات التي تنتج أشباه الموصلات وخسرت حرب التنافس مع شركة انتل كورب في مجال توفير "العقل" الذي يحرك أجهزة الكومبيوتر الشخصية. وتعتبر شركة موتورولا أكبر شركة منتجة للشرائح المركبة، تليها شركة ان اي سي كورب اليابانية. أما شركة تكساس انسترومنتس فتتزعم انتاج نوع من الشرائح يعرف بشريحة الاشارة أو الاشارات الرقمية التي تستخدم في أجهزة الهاتف النقال وفي الأجهزة الالكترونية الاستهلاكية. وأوجدت شركات أصغر، مثل انتغريتد ديفايس تكنولوجي انك، وكوانتوم ايفكت ديزاين انك، الناشطتين من بلدة سانتا كلارا في ولاية كاليفورنيا، مجالات لبيع شرائحها المركبة الخفية لأن هذه الشرائح تكون عادة أكثر تخصصاً من الشرائح المستخدمة في أجهزة الكومبيوتر الشخصية العادية. لكن ما يجري حالياً هو ان بعض أجهزة الكومبيوتر المتخصصة بدأ في طرح تحد مباشر للأجهزة الشخصية. وكان أكثر ما جذب الانتباه في معرض كومديكس الخاص بأجهزة الكومبيوتر الذي أقيم في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، ما سمي ب "أدوات المعلومات" التي تتضمن المنظِمات الالكترونية وأجهزة التلفزيون الرقمية والمسجلات الرقمية والأدوات الصغيرة التي تتصفح انترنت. ويقول بعض المطَّلعين ان العالم يدخل عصر ما بعد الكومبيوتر الشخصي. وفي تقدير شركة انترناشونال داتا كورب، الناشطة في مجال أبحاث السوق، ان مبيعات تطبيقات أدوات المعلومات، التي بوسعها ايصال الراغب الى انترنت، مثل ألعاب الفيديو، وأجهزة الهاتف الذكية والكومبيوتر اليدوي والصناديق الرقمية التي توضع على الأجهزة، ستتجاوز مبيعات الأجهزة الشخصية، التي يشتريها المستهلكون العاديون في الولاياتالمتحدة، بحلول العام 2001. وتنمو أسواق هذه الأجهزة الخفية أيضاً في مجالات تتجاوز تطبيقات المعلومات. وفي تقدير طوم ستارنز، المحلل لدى شركة داتاكويست، ان الأسرة الأميركية النموذجية تستخدم نحو 63 شريحة، وقد يزداد هذا العدد الى 280 شريحة في خلال خمسة أعوام. وتوجد هذه الشرائح في مختلف الأجهزة المنزلية مثل مسجلات كاسيتات الفيديو وأفران الضغط والغسالات والمرشات والكاميرات التي تتكيف مع بعد الموضوع عنها آلياً. ويتضمن رقم ستارنز نحو خمس عشرة شريحة قد توجد في السيارة الأسرية النموذجية لكي تتحكم بمزيج الوقود في محرك السيارة وبالمكابح التي تحول دون انزلاق السيارة وبأكياس الهواء التي تنتفخ آلياً إذا تعرضت السيارة لحادث مفاجيء، وبالدخول الى السيارة من دون مفتاح ومن على بعد بالراديو في السيارة. وفي بعض السيارات الفخمة 60 شريحة تقوم بوظائف شتى مثل خفض صوت الراديو أورفعه فيما تخف سرعة السيارة أو تزداد، ومثل تكييف سرعة مسَّاحات زجاج السيارة الأمامي آلياً حسب ما يقتضيه وضع الأمطار المتساقطة على هذا الزجاج، على حد ما يقول تورلي. ويوجد في اخر نموذج من طائرة بوينغ 777 النفاثة أكثر من ألف شريحة بينما كان عدد هذه الشرائح لا يتجاوز عدد أصابع اليدين في طائرات بوينغ القديمة، على حد ما يقول تيموثي فير، نائب رئيس شركة بوينغ المسؤول عن الأنظمة الموجودة في طائرات الشركة. وينشط معظم هذه الشرائح في مجال الترفيه وخدمة الهاتف المتاح لكل مسافر على طائرات بوينغ. وتستخدم أحدث طائرات الشركة أنظمة تتناول ارسال اشارات رقمية بواسطة أشرطة تمتد الى شرائح تفعِّل الأنظمة الهيدروليكية التي تتحكم بأجنحة الطائرة ودفتها بدلاً من استخدام الكابلات وأنظمة هيدروليكية تمتد تحت طول الطائرة للقيام بعملية التحكم، ما يخفف من وزن الطائرة ويحسّن بالتالي مداها وفعالية استهلاكها للوقود. لكن إذا عاد انتشار الأجهزة الخفية بالفوائد، سيجلب هذا الانتشار معه مشاكل كثيرة أيضاً في خلال العام المقبل على الأقل، وذلك لأن الشركات والوكالات الحكومية باتت مجبرة الآن على تفحص أجهزة الكومبيوتر هذه لاكتشاف ما إذا كانت ستتعطل لانها لن تستطيع التعامل مع الانتقال الى العام 2000، ما قد يتسبب في توقيف المصانع عن العمل أو في الاضرار بالمرضى مثلاً. احتمالات التعطّل ويقول الخبراء ان نسبة ضئيلة فقط من هذه الأنظمة ستتعطل. لكن بالنظر الى أن بلايين الشرائح هي قيد الاستخدام الآن، في وسع حتى نسبة ضئيلة ان تسبب المشاكل على نطاق واسع. ويشكل وجود هذه الشرائح في كل مكان تقريباً، وكون عدد كبير منها مركباً أو في الخفاء دفيناً تحدياً يطرح أمام من يرغب حتى في العثور على الأنظمة بغية تفحصها والتأكد من صلاحها. وفي شركة الخدمة العامة ومصلحة الكهرباء والغاز، التابعة لمجموعة شركات الخدمة العامة التي تعتبر المصلحة العامة المهيمنة في ولاية نيوجرزي، تفحص فريق العمل الخاص بعام 2000 نحو 250 موقعاً مختلفاً، منها معامل توليد الطاقة والمحطات الفرعية، بحثاً عن الشرائح الدفينة. واستغرق عمله هذا نحو عام من الزمن. وعندما ظنوا في الشركة أنهم تمكنوا من التغلب على المشكلة برمتها، ادركوا أنهم نسوا تفحص خزانٍ كانت المصلحة بنته لينصبَّ منه الماء في نهر ديلاوار خدمة للبيئة. وتسآءل المسؤولون في الشركة عن ما إذا كان الخزان يؤوي معالجات شرائح دفينة. ولما زار الفريق الخزان وجد أن فنياً يسير على السد مرتين في اليوم عادة ممسكاً بأداة يدوية ليتأكد من عدم وجود تسرب منه. وكانت هذه الأداة، التي تحتضن شريحة، تحتاج الى إعداد لتصلح في عام 2000. ففي أسفل السد كان يوجد نظام تحكم يرصد كمية المياه التي تخرج من السد. ووجد فريق العمل ان هذا النظام لم يكن مهيئاً لاستقبال عام 2000.