تنفق الشركات الناشطة في مجال تكنولوجيا المعلومات اموالاً طائلة بغية تجنب الفوضى التي قد تتأتى من اضطراب اجهزة الكومبيوتر والبرامج والآليات كافة التي تسيّر الكترونياً، في العالم كله، بسبب الانتقال الى العام 2000. وسيذهب معظم الانفاق على هذه المشكلة التي يسميها العاملون في قطاع تكنولوجيا المعلومات Y2K العام الفين، في سبيل الحؤول دون تبلور المشاكل كلها التي قد تنفجر بعد اليوم الأول من عام 2000 المقبل. وقد يضطر بعض الشركات والوكالات الحكومية ايضاً الى انفاق ملايين الدولارات بغية اصلاح الاعطال والقصور في خلال العام الجاري. ويتكهن المستشارون بأن هذا الانفاق غير المنتظر سيحصل لأن عدداً كبيراً من برامج الانفاق على المشتريات المخطّطة سابقاً والموازنات المعدّة سيتعثر في خلال هذا الشهر او نحو الأول من نيسان ابريل المقبل او نحو الأول من تموز يوليو او ايلول سبتمبر المقبلين، وهي التواريخ التي يفتح فيها معظم الشركات والحكومات دفاتره الخاص بالعام المالي 2000. ويعود احتمال انفجار المشاكل في العالم كله الى ما اعتاد العالم على فعله وهو استخدام رقمين فقط للاشارة الى العام في اي تاريخ مثل استخدام 99 للاشارة الى عام 1999. ويقرأ عدد كبير من اجهزة الكومبيوتر صفرين 00 على اعتبار انهما يشيران الى عام 1900 وليس الى عام 2000، ولا يستطيع عدد كبير آخر من الاجهزة قراءة الصفرين في أي تاريخ ويعيد ضبط ساعته على 1980، اي العام الذي كان فجر عصر اجهزة الكومبيوتر الشخصية، او على عام آخر، بينما يتوقف عدد آخر من الاجهزة عن العمل بالمرة. ترحيل وقد يتعثر عام 2000 ايضاً بسبب الترحيل الى الصفر، في خلال الصيف المقبل، الذي يتناول التاريخ المستخدم في الاقمار الاصطناعية، التي تعيّن بالضبط مواقع الاجهزة المتنقلة، والتي تدعى "الاقمار الاصطناعية العالمية التي تعين المواقع". وبالنسبة الى شبكة الاقمار الاصطناعية يعتبر الاسبوع اطول وحدة زمنية لا العام، والرقم الأعلى الذي تقرأه هذه الاقمار، وتتعرف عليه كأسبوع ذي صدقية، سيأتي دوره في آب اغسطس المقبل. وقد يعرقل الانتقال الى الاسبوع صفر الصناعات والانظمة العسكرية كافة التي تستخدم هذه الاقمار الاصطناعية. ومن التواريخ الاخرى، التي تشبه الالغام، التاسع من ايلول سبتمبر من العام الجاري، لأن عدداً كبيراً من برامج الكومبيوتر يعتبر تاريخاً مثل 9999 9999 اختزالاً لتعبير "نهاية اضبارة" او بدلاً من تاريخ غير معروف، وبناء عليه قد ينتهي الامر بكتاب المكاتب التجارية والبائعين وآخرين، يسجلون طلبيات او معلومات اخرى بحسن نية ليوم التاسع من ايلول بشطب كميات ضخمة من المعلومات او التسبب بانهيار برامج كومبيوترية على اعتبار ان التاسع من ايلول عام 1999 هو 9/9/99 9999. ويعني هذا كله، بالنسبة الى اي شخص ينشط في مجال تكنولوجيا المعلومات، ما سيتم انفاقه على مشاكل بدء العام 2000 وعلى مشاكل اخرى تتعلق بالتواريخ على حساب الانفاق على مشاريع اخرى في مجال تكنولوجيا المعلومات. ويقول لويس ماركوشيو، المدير الدولي للأبحاث الخاصة بعام 2000 الناشط في مجموعة غارتنر الاستشارية المتخصصة في شؤون تكنولوجيا المعلومات والعاملة في مدينة ستانفورد في ولاية كونيتيكت: "نحن لا نتوقع ان يكون الانفاق كبيراً جداً على حل هذه المشاكل، لكن هذا الانفاق سيحد من الانفاق على عدد كبير من منتجات تكنولوجيا المعلومات". وتختلف تقديرات العاملين في مجال تكنولوجيا المعلومات لما سيتوجب انفاقه على مشاكل عام 2000 باختلاف طرق البحث وباختلاف النظرات الى ما سيغطيه الانفاق او يشمله. وتتكهن شركة "داتا كورب"، الناشطة في مجال ابحاث السوق من بلدة فرامينغهام في ولاية مساتشوستيس، بأن انفاق الشركات الأم على تكنولوجيا المعلومات سيتراجع الى أقل بقليل من اثنين في المئة من العائدات. لكن نمو الانفاق الكبير على مجالات اخرى، بما فيها المكاتب، سيرفع الانفاق في العالم كله الى نحو 9.4 في المئة الى 720.4 بليون دولار بعدما كان 658.6 بليون دولار عام 1998 الفائت. وتتوقع شركة كومبيوتر ايكونوميكس انك الصغيرة الناشطة في مجال الابحاث من بلدة كارلسباد في كاليفورنيا ان ينمو الانفاق على تكنولوجيا المعلومات ثلاثة في المئة فقط، وان يبلغ الانفاق الاجمالي، في خلال عام 1999 الجاري، 987 بليون دولار. لكن هذه الشركة تستثني الانفاق على المكاتب المنزلية من توقعاتها وتقديراتها. اما شركة داتاكويست التابعة لمجموعة غارتنر فتقول ان انفاق الحكومة والشركات على تكنولوجيا المعلومات سيزداد اكثر من 14 في المئة على ما كان عليه عام 1998 قبل الفائت وسيصل الى نحو 1.278 تريليون دولار. سرعة وثمة اتفاق عام، مع هذا كله، على ان ما انفقته الشركات على حل مشكلة العام 2000 ازداد بسرعة العام الماضي وسيبلغ قمة تقدّر بين 20 و40 في المئة من الانفاق العام على تكنولوجيا المعلومات خلال عام 1999 الجاري. وتوحي دراسة قامت بها مجموعة غارتنر شملت 65 الف شركة موزعة على انحاء العالم كافة، بأن عددا كبيراً من هذه الشركات سيحل مشكلة عام 2000 من طريق ارجاء شراء صفقات بريد الكتروني وبرامج جديدة تولد معلومات تدعم برامج البيع وتطبيقات اخرى مماثلة تدعم عمليات اتخاذ القرارات، وارجاء الاستثمارات في مراكز جديدة لخدمة الهاتف وفي تطبيقات لوجستية. وتتوقع غارتنر ان يبقى بيع الخوادم الكبيرة رائجاً جيداً طيلة عام 1999 الجاري، مع بيع ادوات آليات اخرى تحفظ المعلومات وتخزنها وهي الآليات التي قد تستفيد من التراكض لدعم المعلومات. وقد تسرّع الشركات، التي تضع حالياً في الاستخدام برامج كبيرة لربط عدد كبير من انشطتها ومكننة هذه الانشطة، بذل بعض الاستثمارات بغية اتمام الربط والمكننة قبل حلول عام 2000. لكن بطء نمو الطلبيات الجديدة على برامج من هذا القبيل، الذي بدأ العام الماضي، سيبقى ماثلاً على الارجح على مدار عدد من الارباع على الاقل على حد ما تقول غارتنر. وتتوقع غارتنر ايضاً ان تتراجع طلبيات اجهزة الكومبيوتر الضخمة والاجهزة المكتبية على ان تستعيد عافيتها في خلال العام المقبل. تراجع وتتكهن مؤسسات اخرى بتراجع اكبر من هذا كله في الانفاق. ويقول كاظم اصفهاني، احد المحللين الناشطين في غيغا انفورميشن غروب، التي تتخذ من بلدة كامبريدج في مساتشوستيس مقراً لها، مشيراً الى التطبيقات التي تتيح للشركات التعامل مع الموردين والزبائن بواسطة انترنت: "الشيء الوحيد الذي لن يُرجأ او يؤجل في خلال العام المقبل هو التجارة الالكترونية". فالنظرة العامة هي ان الاستثمار السريع في برامج هذه التجارة ضرورة استراتيجية، على حد ما يضيف اصفهاني. ولعل اكثر المواقف تفاؤلاً حيال المبيعات في مجال تكنولوجيا المعلومات ما تم الاعراب عنه في استطلاع للرأي اجرته مؤسسة غالوب لحساب منشورة كومبيوتر ريسلر نيوز اذ خلص هذا الاستطلاع الى ان نحو اربع شركات من كل خمس شركات كبيرة تنوي زيادة الانفاق على تكنولوجيا المعلومات بغية معالجة مشكلة عام 2000 بدلاً من خفض الاستثمارات الجديدة. وربما كان هذا من باب التفكير الرغبي إذ ان الانفاق على تكنولوجيا المعلومات يشكل 2.3 في المئة فقط، في المتوسط، من عائدات الشركات. وينوي عدد كبير من الشركات زيادة هذه النسبة. لكن هذا لا يعني ان هذه الشركات ترغب في السماح بفتح باب الانفاق على مصراعيه في الوقت الذي تتهدد فيه الربحية ويتهدد فيه النمو بسبب الركود في آسيا وبسبب مصادر قلق وشكوك اقتصادية اخرى. ويتعين على الشركات زيادة الانفاق على تكنولوجيا المعلومات الى حد كبير، اذا ارادت ابقاء مشاريعها الراهنة كلها ناشطة، بالنظر الى ما تتكهن به مجموعة غارتنر ومؤسسات اخرى بالنسبة الى حجم ما سيتم انفاقه، من اصل الانفاق المخطط على تكنولوجيا المعلومات، على حل مشكلة العام 2000. وبصرف النظر عن الضغوط التي تمثلها التكاليف، تقلّل الشركات من الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات لافتقارها الى ما يكفي من المديرين والفنيين الماهرين الذين يستطيعون تنفيذ مشاريع جديدة، ناهيك عن وجود التحدي الذي تطرحه مشاكل العام 2000 وعبء الصيانة العادي. فيروسات ويقلق آخرون من ان المشاريع الجديدة قد تعزز فيروسات تؤثر سلباً في العمل الذي بُذل حتى الآن في سبيل معالجة مشاكل العام 2000. ويقول اصفهاني ان "ما يتعيّن على البائعين فعله هو تعيين الزبائن الذين تعلموا اكثر من غيرهم وحققوا اكثر من غيرهم في مجال معالجة مشاكل العام 2000 واعلامهم بالاستثمارات التي في وسعهم بذلها من دون الاضرار بمصالحهم". وقد تتضمن ابواب هذا الاستثمار الانفاق على المراحل الأولى من مختلف المشاريع وعلى مشاريع التجارة الالكترونية التي لن يُستفاد منها حتى العام 2000 او الاعوام التي تليه، على حد ما يقول طوماس اوليسون، متفقاً مع اصفهاني في ذلك. وأوليسون هو كبير الباحثين في الخدمة الاستشارية التي تقدمها للشركات مؤسسة انترناشونال داتا. والحقيقة هي ان مشكلة تحريف الانفاق او اخراجه عن سكته العادية بسبب مشكلة عام 2000، بدأت عام 1997 في شكل ازدياد حاد في طلب البرامج التي تنسق بين الوظائف التجارية الاكبر والأهم، اذ ان عدداً كبيراً من الزبائن قرر مجابهة مشكلة عام 2000 من طريق استبدال اكبر عدد ممكن من البرامج القديمة ببرامج جديدة. لكن في عام 1998 ظهر ان السعي الى الحصول على برامج جديدة وتشغيلها قبل حلول العام 2000 كان اصبح متأخراً جداً. ولهذا تراجعت الاسعار على نحو حاد، اسوة بنمو الطلبيات الجديدة، بالنسبة الى عدد من البائعين بما فيهم بيبولز سوفت وجي دي ادواردس اند كومباني. طلبيات ومن جهة اخرى، تلقت شركتا ديل كومبيوتر وكومباك كومبيوتر وشركات اخرى تنتج الاجهزة المكتبية عددا لم تكن تنتظره من الطلبيات العام الماضي من شركات تحسّن مستوى شبكاتها الكومبيوترية استعداداً لمواجهة عام 2000 ومشاكله. ومن المنتظر ان يستمر هذا الاتجاه حتى الاشهر القليلة الاخيرة من العام الجاري على الاقل او الاقرب. ومن نافل القول ان الشركات التي تنشط في المقام الأول في مجال برامج الاصلاح والخدمات ستتأثر اكثر من غيرها ومباشرة بالآثار التي سيخلفها حلول العام 2000. وشهدت اسعار اسهم عدد كبير من هذه الشركات، مثل فيا سوفت انك الناشطة في بلدة فينكس، وشركة اليدار سوفتوير كوربوريشن، الناشطة من بلدة تشارلوت، تراجعاً حاداً في الخريف الماضي فيما خلص المستثمرون الى ان افضل الحظوظ لنمو هذه الشركات صارت في ذمة التاريخ. لكن المسألة الأهم هي مدى النجاح الذي سيحالف رد هذه الشركات على التحدي الاستراتيجي. وأعاد بعض هذه الشركات النظر في البرامج التي طوروها بغية جعلها قادرة على البحث عن فيروس العام 2000 من ضمن رزمات برامج يمكن استخدامها للتحقق من ان الاصلاح كان فالحاً، وهي البرامج التي ستشكل سوقاً من المحتمل ان تزدهر في خلال العام الجاري. ومن جهة اخرى مماثلة تعزز الشركات، التي ازدهرت بفضل الاعتماد على جهود قامت بها جهات لا تعمل فيها بل خارجية لاصلاح ما يتعين اصلاحه لمواجهة مشاكل العام 2000، تلك العقود مع الجهات الخارجية وتحولها الى صفقات اخرى تتناول الحصول على الدعم الفني. وقد يساهم اللجوء الى جهات خارجية للقيام بأعمال روتينية عادية، مثل صيانة البرامج الراهنة، في تسريع سير الشركات، التي استثمرت معظم ما تعيّن عليها استثماره في سبيل معالجة مشاكل العام 2000، في سبيل تنفيذ مشاريع اخرى. ويقول مايكل ايربشلو، مدير الابحاث في مؤسسة كومبيوتر ايكونوميكس: "يعتقد البعض بوجود فرصة سانحة لسبق منافسيه بعام او بعامين على اعتبار ان هؤلاء المنافسين سيتضررون بما تسببه مشكلة العام 2000. وتبدو الادارات متعطشة للتطبيقات التي تعزز العائدات وتزيدها بعدما ابدت اهتماماً كبيراً جداً بمشاكل العام 2000".