على غرار الخيم التي كانت تجمع قديماً المثقفين والشعراء لتجاذب اطراف الحديث حول ما جادت به مخيلاتهم من شعر وآداب، ومحاولة لاقتسام هموم التحولات الفكرية والثقافية التي كان يعرفها المجتمع العربي آنذاك، حولت شبكة الانترنت المقاهي الشعبية في المغرب الى نواد يحتكرها الشباب الحالم بالغوص في عوالم جديدة تبعدهم عن الواقع الذي يعيشون فيه، ولو للحظات. وكما ان جلسات الشعر والآداب كانت مؤنس المثقفين وسمرهم الليلي من خلال الغوص في بحور الشعر وآدابه، فان رواد مقاهي الانترنت يعتبرون ان السفر عبر الشبكة يشكل بالنسبة لهم لحظات خلاص حقيقية من قيود المجتمع ورقابته، ومناسبة للابحار في عوالم جديدة لا رقيب فيها عليهم ولا حسيب. التقت "الحياة" مجموعة من هؤلاء الشباب الاكثر ادماناً على الشبكة، ولاحظت ان القاسم المشترك لتعاطي هؤلاء مع الانترنت هو الرغبة في الانتقال الى عالم يحمل نسمات التغيير، يبعدهم عن الروتين الذي يواجههم يومياً، ولا يترجم تطلعاتهم نحو مستقبل تهيمن فيه الابتكارات التكنولوجية والامكانات الهائلة التي تفتحها الشبكة لتوسيع المدارك وامكانية التفاعل مع العالم الخارجي. وتعرف مقاهي الانترنت على الخصوص في الرباط والدار البيضاء انتشاراً واسعاً يصحبه اقبال متزايد للشباب عليها، لكن الملاحظ ان اقبال الفتيات على تلك المقاهي يظل محتشماً مقارنة مع الشباب من الذكور، ونجد من بين عشرة فتيان يلجون مقاهي الانترنت هناك فتاتان فقط، اي بنسبة 20 في المئة. ويقول احد مالكي هذه النوادي انه يستقبل اكثر من مئتي زائر في اليوم من مختلف الاعمار، "لكن الشباب من الذكور غالبية الرواد"، ويضيف المسؤول الذي لا يخفي اعجابه بما تتيحه الشبكة من معلومات وامكانات للتعارف ان ما يجمع رواد مقاهي الانترنت شعورهم بالاستقلالية داخل عوالم مجهولة، والحرية التي تتيحها لهم الشبكة في اختيار مواقع تتأرجح بين المواضيع الجدية احياناً والتافهة والمسلية احياناً اخرى. ويقول عماد وهو في السنة الثالثة من الجامعة انه يقضي معظم وقته بعد الدراسة في البحث في مواقع الانترنت، "حيث يمكنك ربط صداقات جديدة والبحث في فرص عمل في الخارج والاطلاع على الامكانات المتاحة امامك لمتابعة دراستك في الغرب". وتختلف نوعاً ما تطلعات رواد المقاهي من الاناث، تقول بسمة 25 سنة: بالامكان ربط علاقات قوية عبر الانترنت قد تقود الى... وتتردد قبل ان تطلق: الى الزواج ولم لا؟ فهناك عدد من الفتيات اقمن علاقات جدية عبر الانترنت رغم المسافة الفاصلة بين الطرفين. وتضيف بسمة "ان بعض الصفات التي قد لا اعثر عليها في شريك المستقبل المحتمل قد اجدها في شاب في مكان ما في العالم عبر الانترنت". وتختلف رغبات رواد مقاهي الانترنت وأذواقهم، لكن الثابت انهم يبحثون كلهم عن جديد يمكن ان تحمله لهم الشبكة ان على مستوى الاحلام الآنية او البعيدة المدى. ويحذر احد رواد المقهى من سلبيات ما تقدمه بعض المواقع، ويقول سعيد 26 سنة عامل وطالب سنة ثانية حقوق "الاحظ عندما اذهب برفقة اصدقائي الى مقهى الانترنت الخاص بنا ان هناك من الشباب من يأتي ليس لمتابعة حدث ما او البحث عن عناوين الكترونية، بقدر ما يأتي للابحار في عوالم يعتبر المحظور فيها اقوى من الجائز"، في اشارة الى المواقع التي تطرح مشاهد اباحية، "كما ان عددا من الشباب العربي الذين اتواصل معهم عبر الانترنت يفضلون الاطلاع على المشاهد الخليعة عوض البحث في قضايا تربوية او ترفيهية لكنها مجدية". ويرى سعيد ان اكثر ما يشجع على البحث في المواقع المثيرة على الانترنت هو تشجيع الاصدقاء بعضهم للآخر، حيث ان "من تابع مشاهد مثيرة على احد تلك المواقع يدعو صديقه للاطلاع عليها وتنتشر المعلومة ويرى الموقع الجميع". ويبدو احد اصدقاء سعيد اقل خوفاً مما تطرحه تلك المواقع، "انا شخصياً اطلعت على تلك المواقع ورأيت المشاهد التي تطرحها، لكن هذا لا يعني اني ادمن عليها، وأعتقد ان تلك المواقع تحمل نوعاً من الاثارة للمقبلين عليها لأول مرة وتصبح دون جاذبية في ما بعد، حتى انه يصيبك الملل من كثرة متابعتها على الشبكة". ويستدل في دعم ما يقول بظاهرة القنوات الفضائية التي يعرض بعضها مشاهد اباحية، حيث "يلاحظ الآن قلة متابعة الشباب لها عكس ما كان الوضع في بداية انطلاقتها". ومهما كانت العلاقة التي تقرب الانترنت من القنوات الفضائية، يبقى ان الشبكة العنكبوتية تمكنت من انتزاع المرتبة الأولى من تلك القنوات على رغم دخول هذه الاخيرة جل البيوت، عكس الانترنت التي لا يزال سعر خدماتها فوق مستوى غالبية الاسر المغربية. ونجحت الانترنت بمنحها الشباب آفاقاً اكثر اتساعاً من فضاء القنوات الفضائية، خصوصاً انها تتيح لهم فرصة التواصل المباشر مع نقاط مختلفة من العالم، والخوض في قضايا مهما كان توجهها دون الشعور بأي رقابة او احراج، مع امكانية اقتسام الآراء والخدمات في وقت وجيز تدعمه الصورة والصوت.
