أغارت طائرتان اثيوبيتان من طراز "ميغ" في ساعة متقدمة من مساء أول من أمس الساعة العاشرة والنصف بالتوقيت المحلي للمرة الثالثة على خزان المياه الرئيسي الذي يزود مدينة عصب وضواحيها مياه الشرب، ويبعد نحو 20 كيلومتراً من وسط المدينة، و50 كيلومتراً خلف الدفاعات الأمامية الاريترية المواجهة للخطوط الاثيوبية. انتقلت "الحياة" إلى موقع القصف الذي سُمع في المدينة بوضوح شديد حيث كانت المقاتلات الاثيوبية اسقطت أربع قنابل، لكنها أخطأت الهدف، وانفجرت على مسافة 300 متر تقريباً في منطقة صحراوية جرداء خالية. وفي الثامنة من صباح أمس بالتوقيت المحلي عاودت القوات الاثيوبية القصف المدفعي. وأكد أحد القادة الميدانيين ل "الحياة" ان عمليات القصف لم تحدث أضراراً "لأنها تتم عشوائياً". واستنكر القائد نفسه، الذي طلب عدم نشر اسمه، قصف القوات الاثيوبية مواقع مدنية، وقال: "إن محاولاتها الثلاث قصف خزان المياه الرئيسي في غضون يومين. تشير إلى أنها جعلت من المحطة هدفاً استراتيجياً، حيث لا توجد أي أهداف عسكرية في تلك المنطقة". وأضاف ان الخطورة الحقيقية للقصف هي في وجود معسكر للاجئين الصوماليين قرب خزان المياه، يضم نحو 2500 شخص. وحمل الحكومة الاثيوبية مسؤولية أي عمل عسكري يشكل خطراً على حياة أولئك المدنيين. وحذرها من أن بلاده لن تصبر طويلاً إذا واصل الطيران الاثيوبي قصف أهداف مدنية. وخلال القصف الجوي كانت "الحياة" تتجول في الجبهة الأمامية حيث انشأ الاريتريون دفاعات حصينة على طول الجبهة لمسافة عشرات الكيلومترات، مما شكل حاجزاً واقياً ضد أي هجوم اثيوبي بالدبابات وفق جغرافية المنطقة المؤهلة لهذا النوع من المعارك. ولاحظت "الحياة" ارتفاع الروح المعنوية للجنود الاريتريين، خصوصاً بعد اسقاطهم الطائرة المروحية الاثيوبية مطلع الأسبوع، وشاهدت حطام المروحية التي احترق قائدها النقيب اشيتو يغلي ومساعده. واسقطت الدفاعات الأرضية الاريترية المروحية الاثيوبية على بعد نحو ثلاثين كيلومتراً شمال الطريق الرئيسي الذي يربط ميناء عصب بأديس ابابا، و10 أمتار فقط من خط الدفاع الأريتري. وأكد الجنود الاريتريون ان القصف الاثيوبي لم يحدث أي خسائر، لأن الدفاعات التي شيدوها محصنة تماماً. وهم في حال تأهب كاملة للقتال... العيون مصوبة إلى الأمام ترصد تحركات الاثيوبيين بالعين المجردة حيناً وبالمكبرات أحياناً أخرى، والأصبع على الزناد. ومن الصعب تحديد عدد الجنود الاريتريين في جبهة عصب، رغم تجوال "الحياة" في معظم الجبهة تقريباً، لكن الحديث الذي يدور في الأوساط غير الرسمية، ان هذه الجبهة هي الأكبر عدة وعتاداً لإدراك القيادة الاريترية ان الاثيوبيين جعلوا من الاستيلاء على مدينة عصب هدفاً استراتيجياً. لكن وسط المواطنين في داخل المدينة لا وجود للاحساس بالخطر، ربما بسبب المسافة البعيدة التي تفصل جبهة القتال عن المدينة. واللافت في المواقع الحيوية داخل المدينة، مثل الميناء ومصفاة تكرير النفط والمطار غياب أي مظاهر عسكرية. كما أن احساس المواطنين بالحرب وعواقبها الوخيمة عليهم، يقلل من الأغاني التي تصدر عن مكبرات الصوت في المقاهي والحانات والمطاعم، فالحياة تسير بوتيرة رتيبة. وعلى رغم بعد المدينة عن الجبهات الأمامية، إلا أن أصوات القصف، خصوصاً الجوي، تحدث دوياً مسموعاً، لكنه يبدو أن السكان غير عابئين بذلك، ربما بسبب اعتيادهم على سماع هذه الأصوات اثناء الحرب الاثيوبية - الاريترية الأولى قبل تحرير بلادهم. وفي أديس ابابا، أصدرت الناطقة الرسمية باسم الحكومة الاثيوبية سالومي تاديسي بياناً أكدت فيه تجدد المعارك أمس في منطقة هيرسيلي على بعد 20 كلم من ميناء عصب الاريتري، كما أكدت حصول معارك بين القوات الاثيوبية والقوات الاريترية في وقت متقدم من مساء أول من أمس. وأشارت إلى تدمير مواقع الامدادات اللوجستية الاريترية من دون ذكر أي تفاصيل عن الخسائر المادية أو البشرية. في غضون ذلك، علمت "الحياة" من مصدر ديبلوماسي غربي أن وفد الترويكا الأوروبي الذي يضم ممثلين عن المانيا والنمسا وفنلندا سيصل اليوم إلى اثيوبيا في محاولة جديدة لايجاد حل للأزمة الحدودية التي بدأت في أيار مايو الماضي. وأضاف المصدر ان تلك المبادرة تعتبر في إطار المبادرة الافريقية وتتضمن المساعي الأوروبية الرامية إلى وقف النار كخطوة أولى ومن ثم تنشيط المبادرة الافريقية. من جهة أخرى، أوردت صحيفة "افويتا" الناطقة باسم الحزب الحاكم أمس ان اثيوبيا عقدت صفقة مع الاتحاد الأوروبي لشراء 94 ألف طن من الحبوب الغذائية لسد العجز الموجود في المستودعات الاثيوبية في الاقاليم الشمالية والجنوبية. يذكر ان الاقليم الشمالي يشهد مواجهات حادة بين القوات الاثيوبية والقوات الاريترية منذ أن تجددت المعارك بين البلدين في السادس من شباط فبراير الجاري.