يعيش ابناء الجولان السوري المحتل في صراع يومي للحفاظ على الهوية والثقافة الوطنية والقومية وروح الانتماء في مواجهة عدو محتل يحاول تشويه كل ماله صلة بالوطن الام من لغة وعادات وتقاليد. ولعل "تلة الصراخ" الوسيلة الاهم للتخاطب والتواصل بين ابناء الجولان في طرفي الاسلاك الشائكة الفاصلة بين ابناء الشعب الواحد. وهي شاهد على مأساة اهالي الجولان في كفاحهم اليومي حيث سقط العديد من الضحايا نتيجة التأثر لدى سماع صوت الاحبّة عبر مكبرات الصوت، كما يقول احد سكان الجولان الطالب عطاالله فرحات. ومعاناة الجولانيين العشرين الفاً الباقين في قراهم الست تتلخص في نواح كثيرة لكن اهمها الجانب التعليمي وسط ضغوط التهويد وسياسات القمع والملاحقة والارهاب والاستيطان. وعدم وجود أعمال لمعظم الشباب، خصوصاً خريجي الجامعات السورية، يدفع الى الهجرة. لكن الجولانيين لا يهمهم كثيراً العمل بشهاداتهم "طالما اسرائيل تريد ذلك ترانا في الحقول نعمل في قطف لتفاح واحدنا طبيب والآخر مهندس وصيدلي وصحافي"، كما يقول فرحات سنة ثالثة صحافة ويضيف: "الهجرة قليلة ومحدودة لان اسرائيل ترحب بذلك واستفدنا من التجربة الفلسطينية فلا نبيع بيوتاً ولا عقارات". ويشرح الطلاب الجولانيون معاناتهم في التعليم التي تبدأ منذ الصغر. تقول سناء الصفدي خريجة جامعة دمشق: "علينا في الجولان ان ندرس تاريخ اليهود الشعب المضطهد في اوروبا عبر كل مراحل دراستنا، اذ توجد في المراحل ماقبل الثانوية مادة تدعي "تناخ" اي "التوراة" تظهر اليهودي كمسالم عانى خلال فترات حياته، يحب السلام. وعلينا ان نفهم ان هذا اليهودي صديق مظلوم". وتضيف "بعد ذلك ندرس في المرحلة الثانوية تاريخاً مفصّلاً لليهود، وفي البكالوريا 12 كتاب تاريخ تدرس بالعبرية ولا وجود للفلسطيني فيها أبدا". وتتابع سناء: "يسعون الى تقوية العنصرية عن طريق تدريسنا تاريخ الدروز وليس العرب، اضافة الى انهم منعونا من بناء المساجد حتى نبقى امام العالم اننا دروز ولسنا مسلمين، وهم يصرون على ان يكتبوا في وثائقنا اننا دروز ولسناً عرباً مسلمين او عرباً مسيحيين كما هو الحال في وطننا الام". في قرى الجولان اربع مدارس ابتدائية وثلاث مدارس اعدادية وثانويتان، وسدت اسرائيل افاق التعليم الجامعي امام ابناء الجولان. وتعاني مدارس الجولان من نقص كبير في الاختصاصيين في كل المواضيع. ويشير عبدالله رباح من معهد التربية الرياضية في دمشق الى "تغيير المنهاج السوري في المدارس وفرض منهاج اسرائيلي وفصل المعلمين الاكفاء"، لكنه اكد ان "سياسة التهويد هذه لم تؤثر على اصرار عرب الجولان على مقاومة الاحتلال حيث عبروا في كل مناسبة عن انتمائهم الاصيل لعروبتهم ولوطنهم الام سورية". البديل كان كما يشير ثائر الصفدي خريج طب اسنان رئيس لجنة الطلاب الدارسين في الجامعات السورية يكمن "في التربية الوطنية التي كانت من مهام الاهل في البيوت فكان للام دور وللاب دور. نسجت النسوة العلم السوري على شكل قمصان يرتديها الاطفال، وربات البيوت حكن الشعار السوري بالوانه الزاهية وهو معلق في مدخل كل بيت في الجولان". ويدرس ابناء الجولان اللغة العربية لكن ليس كلغة رئيسية لذلك يعاني اكثرهم عند القدوم الى سورية للتعليم العالي من مشكلة اللغة حيث "تدريس اللغة العربية في المنهاج الاسرائيلي يبقى ثانوياً ويخصص اكثر من سبعين في المئة منها لدراسة الشعر والادب اما النحو والصرف فالاهتمام بهما قليل وغير كاف، ونعتمد على المنهاج المصري في العربية لذلك نجد بعض الصعوبة في تعلمنا في سورية لكن نتجاوزها بمساعدة بعض الاساتذة"...هكذا يقول فرحات "اما اللغة العبرية فتدرس في كل المراحل باهتمام وتتطرق الى القواعد وتسرد تاريخ اللغة العبرية وكبار شعرائها في الاندلس وغيرها، وهي مادة اساسية في المنهاج". أكثر من 400 طالب من الجولان يدرسون في سورية منذ فتح الباب امامهم في العام 1978. ووضع الطلاب بقي بين اخذ ورد من قبل السلطات الاسرائيلية حتى عام 1991 اذ اصبح القدوم الى سورية بشكل شبه دائم كل سنة، بينما في السنوات السابقة كان غير واضح. والوصول الى الجامعة يعني الدراسة في احدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقا ًاو القدوم الى سورية، فالجامعات الاسرائيلية محرمة على العرب من ابناء الارض المحتلة لان اجراءات الانتساب للجامعة تعتمد تفضيل اليهودي مهما كان معدله، وشروط الانتساب للعربي صعبة للغاية وتقتصر على بعض المعاهد. ويوضح احد الطلاب :"يحاولون ابعادنا عن الفروع الحساسة وتتاح لمعظمنا امكانية التعلم في المعاهد المتوسطة عديمة الفائدة لتخريج جيل عاطل عن العمل، بينما معهد العلوم التطبيقية تاخنيو في جامعة حيفا مثلا محظور علينا". المنحة المقدمة من سورية غير مقيدة بعدد معين، ويستثنى الطالب من شرط العلامات، ويعامل ابناء الجولان معاملة ابناء الشهداء لذلك اغلب الدارسين في الجامعات السورية يدرسون الفروع العلمية مثل الطب والهندسة، ولكن في السنوات الاخيرة تغير الاتجاه بعد ان كثر اعداد خريجي الفروع العلمية، واغلبهم عاطل عن العمل في الجولان ولا تتاح لهم فرصة العمل في اسرائيل، لذلك بدأ الجيل الجديد يدرس الفروع الادبية كالصحافة والاداب وغيرها. ويوضح عطاالله فرحات "ان مسألة القدوم الى سورية للدراسة تخضع للمزاج الاسرائيلي". ويشرح :"نتقدم باوراقنا الى وزارة الداخلية التي تحتاج بدورها الى موافقات من الشرطة والمخابرات والجيش، واذا كانت والدتنا داعية لنا لا تتجاوز مدة هذه الموافقات السنتين بعد البكالوريا حتى نحصل عى اذن للدراسة في الجامعات السورية، وقد تطول لتستغرق اربع او خمس سنوات كما حصل معي، فأنا "ختيار" بالنسبة للطلاب الذين ادرس معهم في الجامعة". ويضيف: "ترسل الطلبات بعد ذلك عن طريق الصليب الاحمر الى سورية ولا توجد اجراءات من الجانب السوري. عملياً، سورية لا ترفض اي طالب جنسيته سورية مهما كان العدد". اما "المعاناة الحقيقية" فتبدأ بعد التخرج كما يقول محمد معهد مختبر اسنان حيث ان خريجي الفروع العلمية يحتاجون حين عودتهم الى الجولان الى تعديل شهاداتهم وكون اكثر من 700 الف يهودي سوفيتي اخذوا مواقع عمل كثيرة في اسرائيل والقانون الاسرائيلي يفضل اي يهودي على اي انسان عربي مهما تفوّق عليه في المعدل، لذلك يحتاج الطالب العربي الى دفع مبالغ طائلة لتعديل شهادته تقدر بنحو عشرة آلاف دولار اميركي مقابل "كورس" النجاح فيه غير مضمون، اضافة الى تكاليف المعيشة الباهظة اثناء تعديل الشهادة حيث يحتاج الطالب الى اقامة في اسرائيل واستئجار شقة لمدة تزيد عن ستة اشهر وبعدها لا يعرف ان كان سينجح ام يرسب". وبعد تعديل الشهادة فالعمل في اسرائيل غير متوفر، لذلك يحاول ابناء الجولان ايجاد فرصهم بانفسهم "و معظمنا لا يعمل بالشهادة وانما في الاراضي الزراعية التي نملكها". ويعتمد اهالي الجولان على الزراعة، وتقدر مساحة الاراضي الزراعية المستغلة من قبل السكان قبل الاحتلال بنحو 40 كيلومتراً مغروسة باشجار الفاكهة. ومنعت السلطات الاسرائيلية نقل المنتجات الزراعية الى سورية او اي دولة عربية اسوة بعرب الضفة والقطاع، وبالتالي كان لا بديل للاهالي غير بيع منتجاتهم لليهود المحتكرين للسوق وباسعار متدنية. وتبقى مسألة العودة والحنين للوطن حيث تتحول المأساة احيانا الى نوادر، فبعد دراسة في دمشق تصبح العودة الى الاهل على بعد بضعة كيلو مترات فراقا ابدياً،لذلك تتحول شرائط الفيديو بين الرفاق والاصدقاء بين طرفي الشريط المحتل الى وسيلة تخاطب واطمئنان على الاحوال. ويتسلح العائد بأدوات لتنشيط ذاكرته باستمرار، عاقدا العزم على العودة الى الوطن الحبيب "نحمل معنا بعض الاشياء الصغيرة، اذ تحظر علينا السلطات الاسرائيلية جلب اشياء معنا من الوطن". والحياة في الجولان صعبة. ففي الوقت الذي يحرم فيه العربي من كل الامتيازات تمنح الحكومة الاسرائيلية المستوطن اليهودي الامتيازات كاملة، فالدولة تشجع المستوطن في الجولان على الزواج المبكر في العشرين من العمر وتقدم له بيتاً لا يزيد سعره عن 25 في المئة من سعر البيت المماثل في تل ابيب، ويدفع ثمن البيت على اقساط على مدى عشرين عاماً، كما تمنح المستوطن الكثير من المزايا فلا تفرض عليه الضرائب على اعتبار انهم في مناطق حدودية في المواجهة بينما تستمدها من الجانب العربي حيث ترهقه بضرائب عالية وتضيق عليه في البناء مما سمح بزيادة عدد المستوطنين الى نحو 22 الفا مقابل 20 ألفاً من السوريين، كما تتيح للمستوطنين اخذ المياه التي يريدونها في الوقت الذي تقيد فيه استخدامها من قبل السوريين. ويزين اغلب سكان الجولان دورهم بصورة "الوثيقة الوطنية" التي اصدرها اهالي الجولان عام 1981 والتي تضم بنودا منها: "ان كل من يتجنس بالجنسية الاسرائيلية يكون مطرودا من ديننا ومن ترابطنا الاجتماعي ويحرم التعامل معه او مشاركته افراحه واحزانه او التزاوج معه، الى ان يقر بذنبه ويرجع عن خطئه ويطلب السماح من مجتمعه ويستعيد اعتباره وجنسيته الحقيقية". هضبة الجولان السورية المحتلة تبلغ مساحتها 1860 كيلومتراً مربعاً، ويشكل القسم الذي ما زال تحت الاحتلال 1250 كيلومتراً، ترتفع عن سطح البحر الف متر وسطياً، وأعلى نقطة فيها قمة جبل الشيخ 2814 متراً، تتميز بغناها بالمياه الجوفية والينابيع واغزرها نبع بانياس 1575 مليون متر مكعب سنوياً.