هل هناك لغز يمكن ان يماط عنه اللثام ذات يوم اسمه لغز فرنر هاينزنبرغ؟ هل كان الرجل نازياً حقيقياً؟ صحيح أنه ساهم في صنع القنبلة النووية، بل كان من كبار المساهمين في ذلك. ولكن، حين حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها، لماذا وفره الأميركيون - والحلفاء عموماً - وغضوا الطرف عن مساهماته النووية وعما كان معروفاً من أنه نازٍ عمل مع النازيين؟ هل لأنه كان خلال الحرب على اتصال بالأميركيين، أو بغيرهم من الحلفاء؟ ثمة نظريات وفرضيات كثيرة تتناول هذا الموضوع. ولكن من المؤكد أن أياً منها لن تجد الجواب النهائي قبل أن تفتح ملفات عديدة قد يكون بعضها اختفى إلى الأبد. المهم أن العالم الألماني فرنر هاينزنبرغ، حين رحل عن عالمنا يوم الأول من شباط فبراير 1976، حمل معه إلى القبر العديد من الأسرار والخفايا التي كان يمكن لبعضها أن يكشف عن جزء أساسي من تاريخ القنبلة النووية، وتاريخ انتقالها من أيدي الألمان إلى أيدي الأميركيين في لحظة حاسمة من لحظات الحرب العالمية الثالنية، وهو ما ساعد الأخيرين على أن يصنعوا "قنبلتهم" ويضربوا هيروشيما وناغازاكي. مهما يكن في الأمر، فإن هاينزنبرغ هو واحد من الآباء الشرعيين للقنبلة النووية، وهو حين مات في ميونيخ عن عمر يناهز الرابعة والسبعين، نسي الكثيرون دوره خلال الحرب العالمية الثانية وتذكروا ارتباط اسمه منذ العام 1927 بمبدأ كان رائده والمعبر الأول عنه. وهذا المبدأ كان يقول بأنه لا يمكن أن تعطى لجزيئية معينة، في لحظة معينة هي نفسها، وضعية وسرعة محدودتين. وكان هو انطلاقاً من ذلك، من وضع، بالمشاركة مع عالمي الفيزياء ماكس بورن وباسكوال جوردان، مبدأ "غوتنغن" المتعلق بالميكانيكا الكمية. واشغاله في هذا المجال جعلته يمنح في العام 1933 جائزة نوبل للفيزياء. وهو في الوقت نفسه كان بدأ يضع نفسه كلياً في خدمة النظام النازي الذي التفت إلى انجازاته فراح يتبناها. وبين العام 1941 و1945 أصبح هاينزنبرغ مديراً لمعهد الفيزياء المسمى "الامبراطور فلهلم" في برلين. وهناك ضمن إطار العمل في ذلك المعهد ساهمت اشغاله مساهمة أساسية في صنع القنبلة الذرية. وهنا يميل الأميركيون إلى القول بأنه، منذ أواسط سنوات الحرب العالمية الثانية، راح يعمل ببطء مفضلاً أن يضيّع الوقت بدلاً من أن يعجل. لماذا؟ لا يجد الأميركيون جواباً. أما المحيطون به فيقولون بأنه ذات لحظة أحس بخطورة ما يفعل، وأنه فضل أن يتباطأ لعل تباطؤه يلغي القنبلة. فهل كان هذا صحيحاً؟ ذلك هو السؤال اللغز. وهنا ثمة سجال واسع لم يتوقف أبداً. المهم ان هذا العالم بدا عليه، ومنذ انتهاء الحرب، أنه مقتنع بأنه لعب دوراً أساسياً في منع هتلر من الحصول على القنبلة الذرية، من دون ان يقول هو، أو يقول أحد، ما إذا كان ساهم في الوقت نفسه في حصول الأميركيين عليها. المهم أنه بعد الحرب، وقد خرج منها من دون أن يمس بأذى، صار، ومنذ العام 1946، مديراً لمعهد الفيزياء ماسك - بلانك في غوتنعت ثم في ميونيخ التي عاش فيها حتى آخر أيامه. وهو اشتغل خلال سنواته الأخير على معادلات وحسابات ادخلت الفيزياء عالم الحداثة. وكان هو الذي صمم النمط الراهن لانتاج النواة النووية. وهو بعد العام 1953 اشتغل على نظرية الجزيئات العضوية ونشر العديد من كتب التبسيط العلمي. وكان في بداية الخمسينات أحد كبار الموقعين على رسالة الاحتجاج التي وضعها عدد من علماء الغرب ضد امتلاك الاتحاد السوفياتي للقنبلة الهيدروجينية.