عاد جيمس، الشاب الثلاثيني الإنكليزي، إلى منزله عابساً. سألته صديقته جين هل ثمة شيء يضايقه، فردّ عليها بسلسلة من الشتائم والإهانات، ثم ذهب إلى غرفته وخلد إلى النوم. أسرعت جين إلى جهاز التلفزيون لتعرف نتيجة مباراة فريق كرة القدم الذي يشجعه صديقها، فعرفت أنه خسر على أرضه. أيقنت فوراً أن ثورة غضبه مرتبطة فقط بالأداء السيئ لفريقه المحبوب، وأنه سيعود إنساناً طبيعياً، كعادته، مع صباح اليوم التالي. حالة جيمس وجين ليست فريدة من نوعها، فبريطانيا تشهد يومياً مئات من حالات العنف المنزلي التي تتراوح بين الشتائم والسباب، ولكنها تصل أحياناً إلى الاعتداء الجسدي والجنسي. وعلى رغم أن العنف المنزلي ليس حالة محصورة بكرة القدم، لا يمكن إغفال الرابط المتين بينهما. فإحصاءات الشرطة للعنف المنزلي خلال الدورة السابقة لكأس العالم، قبل أربع سنوات في ألمانيا، سجّلت ارتفاعاً بلغ قرابة 25 في المئة في الحالات المسجّلة رسمياً، التي كانت تبلغ أرقاماً قياسية كلما لعب الفريق الإنكليزي، خصوصاً المباراة الأخيرة ضد الفريق البرتغالي الذي أخرجه من مونديال ألمانيا في 2006. وبناء على هذه الإحصاءات، كان طبيعياً أن تعلن الشرطة البريطانية وأجهزة الرعاية الاجتماعية حال الاستنفار قبل أسابيع من بدء مونديال جنوب أفريقيا، خشية أن يتكرر ارتفاع وتيرة العنف المنزلي الذي شهدته بريطانيا في مونديال 2006. وعشية بدء المونديال الحالي، قامت أجهزة الشرطة والوكالات المعنية بالرعاية الاجتماعية والتصدي للعنف المنزلي ضد النساء، بحملات واسعة للتوعية بمخاطر هذه الآفة التي يربطها مختصون بارتفاع معدل حالات الثمالة بين مشجعي الفريق الإنكليزي، وهم عائدون إلى منازلهم محبطين من أداء فريقهم الوطني، و «يفجّرون» جام غضبهم على نسائهم. لكن ضرب النساء لا يرتبط، بالطبع، بثمالة الرجل فقط. شيريل غاسكوين، الأربعينية، عاشت تلك التجربة سنوات طويلة. فقد كانت الزوجة السابقة لبول غاسكوين اللاعب المشهور في خط وسط الفريق الإنكليزي في تسعينات القرن الماضي، وهي تعرف عن كثب ماذا يعني أن يغضب زوجها. لم يكن بول ثملاً دائماً عندما كان يضربها. أحياناً كان يضربها بسبب أداء فريقه. أحياناً أخرى بسبب توتره نتيجة انتقاله من ناد إلى آخر، ومن بلد إلى آخر. أحياناً كان الضرب لمجرّد شعوره بالغيرة. لكن مهما كانت الأسباب، فإن شيريل في النهاية كانت الطرف الذي تنهال عليه الضربات حتى لا يعود يقوى على الحراك. بقيت صامتة سنوات حتى كشفت صحف التابلويد الشعبية صورها في 1998، إذ ظهرت فيها متورّمة العينين مع كدمات واضحة على كل وجهها. شيريل التي تطلّقت من بول قبل سنوات، خرجت إلى العلن عشية انطلاق مونديال جنوب أفريقيا لتحذّر النساء من تكرار تجربتها هي في العنف المنزلي مع زوجها. وقالت في مقابلة عبر التلفزيون البريطاني متوجهة إلى الإنكليزيات: «لا يمكنكِ أن تتحكمي بما يمكن أن يفعل، (لكن) يمكنك أن ترحلي عنه. يمكنك ذلك. تستحقين حياة بلا خوف، وأطفالك يستحقون هذه الحياة». وشددت على أن العنف المنزلي ليس مرتبطاً فقط بكرة القدم أو احتساء الكحول: «إنه (العنف ضد النساء) يحصل يومياً في منازل في كل أرجاء البلد، وهو ليس عائداً إلى أنه (الرجل) يذهب إلى الحانة لمشاهدة كرة القدم، أو لأن فريقه خسر. يمكن أن يكون السبب أي شيء – قد يكون عانى من يوم سيّىء في عمله». وتابعت: «يمكن الرجل أن يختار، إما أن يضربك أو لا يضربك، ولك أيضاً الخيار أن تبقي معه أو أن ترحلي». كذلك حضت ديبورا ماكالفين، من الجمعية الخيرية «وومنز أيد» (مساعدة المرأة)، النسوة اللواتي يتعرضن للعنف على أن يتقدمن بشكاوى كي تُقدّم لهن المساعدة المطلوبة، وقالت إن «الشرطة يجب أن توفّر الحماية والمساعدة للضحايا كي يكونوا محميين». وعلى رغم أن العنف المنزلي ليس بالضرورة مرتبطاً بكرة القدم، تؤكد احصاءات مختلفة وجود رابط بين الإثنين في حالات كثيرة. فبحسب احصاءات الشرطة الخاصة بكأس العالم في العام 2006 تم تسجيل معدّل 275 حالة عنف منزلي يومياً في شهري نيسان (أبريل) وأيار (مايو)، أي قبل بدء المونديال مباشرة، لكن الرقم ارتفع إلى 290 حالة يومياً في الشهرين التاليين خلال المباريات. وفي خلال ثلاثة أيام فقط ارتفع هذا الرقم إلى أكثر من 400 حالة يومياً: يوم 10 حزيران (يونيو) عندما لعبت إنكلترا مع الأوروغواي، واليوم الذي تلاه (11 حزيران)، ويوم 1 تموز (يوليو) عندما خرجت إنكلترا من المونديال على يد البرتغال. وفي العام 2009 أكدت إحصاءات أخرى وجود علاقة بين كرة القدم والعنف المنزلي. فقد ربط المجلس البلدي لمدينة ساوثهامبتون بين الارتفاع الكبير في عدد حالات العنف الأسري في المدينة وبين الأداء السيىء للفريق المحلي في كرة القدم. والأمر نفسه تكرر في مدينة غلاسكو الاسكتلندية كلما تواجه فريقا المدينة الغريمان: الرينجرز والسلتيك. ففي نهائي كأس اسكتلندا في العام 2009 بين هذين الفريقين، تم تسجيل ارتفاع قدره 88 في المئة في حالات العنف الأسري، بينما شهدت المبارتان السابقتان بين الفريقين ارتفاعاً مماثلاً في العنف بلغ 57 في المئة و52 في المئة. وقياساً على هذا الواقع، فإن أداء المنتخب الإنكليزي في مونديال جنوب أفريقيا لا يبعث على التفاؤل بتراجع في حالات العنف الأسري. فبعد تعادلين ضد الولاياتالمتحدةوالجزائر، وأداء بالغ الرداءة ضد الجزائر تحديداً، لا شك في أن كثيراً من النساء في إنكلترا كن يتضرعن كي تفوز إنكلترا في المباراة الأخيرة في دوري المجموعات ضد سلوفينيا. فالفشل في التأهل إلى دور ال16 قد يؤدي إلى عواقب غير محمودة في المنازل حيث سيسعى الرجال «المهزومون» إلى إثبات «بطولاتهم» على نسائهم. شيريل غاسكوين لن تخشى النتيجة مهما كانت. فهي تعيش وحدها اليوم بعيداً من بول ونوبات غضبه.