كنتُ في صدر الشباب أؤمن إيماناً مطلقاً بتفسير شوبنهاور للعشق كما أورده في الفصل الخاص بميتافيزيقا الحب الجنسي من كتابه "العالم إرادة وفكرة". فلما أقبلت في سني النضج على قراءة الغزالي، صدمني أن أقرأ في "إحياء علوم الدين" نظرية له في العشق هي النقيض التام لرأي الفيلسوف الألماني. وكانت الصدمة من القوة، والنظرية من الغرابة، بحيث كاد أن يخيل إليّ أن الغزالي إنما ساقها على سبيل الهزل. غير أني وقد مضيت أقلب النظر في الفكرة في هدوء، إذا بالصدمة وقد تحولت إلى دهشة، والدهشة إلى فهم لما يعني، واعتراف للرأي بقسط من الصواب، ثم إذا بي في النهاية أحوّل إيماني المطلق عن تفسير الألماني الى تفسير حجة الإسلام، وأتحمس لرأي الثاني كله. وهما إيمان وتحمس قائمان إلى يومي هذا. ملخص رأي شوبنهاور في العشق هو أنه - عكس الغريزة الجنسية - إنما يخدم الكيف لا الكم، ويهدف في حقيقته الى الارتقاء بنوعية الجيل التالي وسماته الخَلْقية والخُلُقية، حتى وإن هُيئ للعاشق أنه لا يخدم غير ذاته ومأربه. فهو إذن تطوير للغريزة البهيمية، وضرب من ضروب التسامي، وإن كان الجماع هو دوماً غايته. وإذا كان هوانا لا ينصرف إلا إلى مَن ندرك لا شعورياً أن الطفل الذي سينجم عن العلاقة الجنسية به سيكون قوياً صحيح البدن والعقل، يجمع بين أوجه قوة الطرفين، ويحقق في شخصه تكاملاً وانسجاماً يفتقر الأبوان إليهما، فالعشق إذن خير على البشرية في إطار عام من الشر. أما الغريزة الجنسية التي هي أداة إرادة العالم ويراها شوبنهاور شراً في جوهرها، ووسيلتها الى الحفاظ على النوع، فهي شر بالضرورة، لأنها أداة الشر لتحقيق استمرار الشر. أما الغزالي، فهو مع إقراره بأن القصد من الغريزة الجنسية ويسميها الشهوة هو الإبقاء على النوع، وبأن العشق الذي هو تعلق بواحد من الجنس الآخر نابع عن الغريزة التي تتجه إلى الجنس الآخر عموماً، يرى العشق مَسخاً للغريزة، و"غاية الجهل بما وضع له الوقاع، ومجاوزة في البهيمية لحد البهائم"! وعلى رغم أن الغريزة الجنسية خير، إذ أودعها الله بحكمته الكائنات من أجل استمرار الأنواع فيحقق بذلك غايته التي لا يمكن إلا أن تكون جليلة خيرة، فهي - بمعنى معين - ضرب من الذل لا مفر منه، شبيه بذل الجوع والعطش. أما العشق، فيزيد صاحبه ذلا إلى ذل، وعبودية الى عبودية، "لأن المتعشق ليس يقنع بإراقة الوقاع، حتى اعتقد أن الشهوة لا تنقضي إلا من محل واحد. والبهيمة تقضي الشهوة أين اتسق، وهذا لا يكتفي إلا بشخص واحد معين حتى يستسخر العقل لخدمة الشهوة". والعشق عند الغزالي أبعد ما يكون عن ضروب التسامي بالغريزة، بالعكس، "ما العشق إلا سعة إفراط الشهوة، وهو مرض قلب فارغ لا همّ له". أو كما قال المتنبي: ما العشقُ إلا عزة وطماعة يُعرض قلب نفسه فيصاب فهو إذن شر بالضرورة، "ويجب الاحتراز من أوائله بترك معاودة النظر والفكر، وإلا فإذا استحكم عسر دفعه. ومثال من يكسر سورة العشق في أول انبعاثه مثال من يصرف عنان الدابة عن توجهها الى باب لتدخله. وما أهون منعها بصرف عنانها. ومثال من يعالجها بعد استحكامها مثال من يترك الدابة حتى تدخل وتجاوز الباب، ثم يأخذ بذنبها ويجرها الى ورائها، وما أعظم التفاوت بين الأمرين في اليُسر والعُسر". وفي اعتقادي أن هذا الرأي في العشق - على رغم أنه لفيلسوف غير عربي - يعكس على نحو دقيق المفهوم العربي الخالص له عموماً، وأن الدين الإسلامي الذي يبين الغزالي مفاهيمه، إنما جاء مؤكداً ومُقراً للمفهوم العربي في هذا الصدد لا لمفهوم آخر. ولا يعني هذا بطبيعة الحال أن العرب لا تعرف العشق، أو أنها كانت دائماً تستنكره. وإنما هو يعني أن للعرب في مجموعهم موقفاً عقلياً ونفسياً من قضيته. فالعشق عاطفة قائمة وستظل قائمة عند العرب كما عند غيرهم. وها هي كتب الأدب بين ايدينا، ككتاب "الأغاني" وغيره، تخص بأخبار العشاق وأشعارهم غير أني أميل في هذا الصدد إلى رأي طه حسين في أن إقبال الناس في فجر الإسلام وضحاه إقبالاً عظيماً على سماع الغناء، دفع المغنين الى اصطناع ضروب من الشعر العذري وإلاباحي يغنون فيها، وكان ثمة شعراء ينظمون لهم مثل هذا الشعر في الغزل، إذ احتاج الناس الى تفسير القصائد. فاخترعت الأقاصيص الغرامية من أجل إرضاء هذه الحاجة. فإن نحن عدنا إلى مفهوم العشق عند الغزالي وجدناه يتضمن عدداً من العناصر: أولها: أن العشق هو نتيجة إما لآفة في العقل كما عند قيس بن الملوح المعروف بمجنون بني عامر، أو فراغ صاحبه وتبطله وافتقاره الى قضية تشغله كما عند عمر بن أبي ربيعة، أو الشعراء العذريين كجميل بن معمر، أو وهم خاطئ بأن فرداً معيناً فحسب، من بين جميع أفراد الجنس الآخر، هو الكفيل بإشباع حاجة العاشق، وهو وهم يشترك فيه العشاق كافة. 1- آفة في العقل: ففي "كتاب الأغاني": حدث عيسى بن دأب قال: قلت لرجل من بني عامر: أتعرف المجنون وتروي من شعره شيئاً، قال: أو قد فرغنا من شعر العقلاء حتى نروي أشعار المجانين! إنهم لكثير، فقلت: ليس هؤلاء أعني، إنما أعني مجنون بني عامر الشاعر الذي قتله العشق. فقال: هيهات! بنو عامر أغلظ أكباداً من ذلك. إنما يكون هذا في هذه اليمانية الضعاف قلوبها، السخيفة عقولها، الصغيرة رؤوسها. فأما نحن فلا"! 2- فراغ وتبطل: من أمثلة ذلك ما نعلمه من أن أهل الجزيرة العربية، بعد أن انتقل السلطان السياسي منها الى الشام وقت الأمويين، وانتقال مركز المعارضة منها إلى العراق، انصرفوا أو كادوا ينصرفون عن الاشتراك في الحياة العامة، وفرغوا للحياة الخاصة، لا سيما أن الخلفاء دأبوا على إغداق الأموال الوفيرة على ابناء المهاجرين والأنصار في مكة والمدينة، اصطناعاً لهم، وضماناً لإمساكهم بمعزل عن الحياة السياسية العملية وإذا اجتمعت البطالة واليأس من الحياة العملية الى الثروة والغنى، لم يكن مستغرباً أن يسرف الشبان الأشراف الأغنياء في مكة والمدينة في اللهو، وأن يظهر بينهم أمثال عمر بن أبي ربيعة والأحوص من شعراء الغزل الإباحي. أما أهل البادية في الحجاز ممن لم يكن الخلفاء في دمشق يخشون شرهم، ولا كانوا في حاجة الى استرضائهم، فقد غلب عليهم البأس، ولم يتح لهم اللهو، فانصرف شبابهم المتبطلون الى الغزل العفيف الذي يمثل طموح البادية الى المثل الأعلى في الحب من جهة، وتعطفها عن ألوان الفساد التي كانت تغمر أهل مكة والمدينة من جهة أخرى. 3- وهم خاطئ يعمي ويصم، فيحسب صاحبه أن الشهوة لا تنقضي إلا من محل واحد: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله، فإن معها مثل الذي معها". ويصف ابن المقفع العشق بأنه من أوقع الأمور في الدين، وأنهكها للجسد، وأتلفها للمال، وأضرها بالعقل، واسرعها في ذهاب الجلالة والوقار. ومن البلاء على المغرم بالنساء أنه لا ينفك يمل ما عنده، وتطمح عيناه إلى ما ليس عنده منهن. وإنما النساء أشباه، وما يرى في العيون والقلوب من فضل مجهولاتهن على معروفاتهن باطل وخدعة، بل ما يرغب عنه الراغب مما عنده، أفضل مما تتوق إليه نفسه. وإنما المترغب عما في رحله منهن إلى ما في رحال الناس، كالمترغب عن طعام بيته الى ما في بيوت الناس. بل النساء بالنساء أشبه من الطعام بالطعام، وما في رحال الناس من الأطعمة أشد تفاضلاً وتفاوتاً مما في رحالهم من النساء. ومن العجب أن الرجل يرى المرأة من بعيد متلفقة في ثيابها، فيصور لها في قلبه الحسن والجمال، حتى تعلق بها نفسه من غير رؤية ولا خبر مخبر، ثم لعله يهجم منها على أقبح القبح وأدمّ الدمامة، فلا يعظه ذلك عن امثالها، ولا يزال مشغوفاً بما لم يذق، حتى لو لم يبق في الأرض غير امرأة واحدة لظن أن لها شأنا غير شأن ما ذاق". وثانيها: أن الشعق مذلة وعبودية، كما أنه كفيل بأن يصرف صاحبه عن جلائل الأمور، ونبيل الأغراض والاهتمامات. فإن كان احتدام الغريزة الجنسية، أو الشهوة كما يسميها الغزالي، ضرب من الذل شبيه بذل الجوع والعطش، يذهب معه ثلثا العقل، فإن عشق إنسان بعينه يزيد المرء عبودية الى عبودية، ويضيع كله. يقول ابن حزم في "طوق الحمامة": "لقد وطئت بساط الخلفاء، وشاهدت محاضر الملوك، فما رأيت هيبة تعدل هيبة محب لمحبوبه. ورأيت تمكن المتخلبين على الرؤساء، وتحكم الوزراء، وانبساط مدبري الدول، فما رأيت أشد تبجحاً ولا أعظم سروراً بما هو فيه من محب أيقن أن قلب محبوبه عنده، ووثق بميله إليه، وصحة مودته له. وحضرت مقام المعتذرين بين أيدي السلاطين، ومواقف المتهمين بعظيم الذنوب، فما رأيت أذل من موقف محب هيمان بين يدي محبوب غضبان". هذا الذل تجاه المحبوب، وهذا الاستغراق في عشق فرد معين، رآهما المسلمون والعرب كفيلين بصرف الاهتمام عن أمور أجل، وعن الغرض الذي خلق الإنسان من أجله، الى غرض عارض زائل. "قيل للمجنون: أي شيء رأيته أحب إليك؟ قال: ليلى. قيل: دع ليلى فقد عرفنا ما لها عندك، ولكن سواها، قال: والله ما أعجبني شيء قط ثم ذكرت ليلى إلا سقط من عيني وأذهب ذكرها بشاشته عندي". قد تنطوي الشهوة عند الغزالي على قدر من الذل، غير أن الذل فيها لا يقارن بذل العشق. فهنا تقبل صريح للغريزة الجنسية، واعتقاد بأن النشاط الجنسي جانب عادي بل ومحمود من حياة كل كائن. فإن كانت المسيحية، وشوبنهاور، قد اعتبرا حياة العزوبة مثلاً أعلى، وقامت فلسفتهما على احتقار الجسد، فإن الإسلام، وحجة الإسلام، يريان أنه حتى في الجنة والنعيم الأبدي سيكون ثمة شكل من أشكال النشاط الجنسي حتى إن لم يعد الإنجاب واستمرار النوع مطلوبين، ولن تكون بالجنة التي يتخلص الإنسان فيها من جسده الذي يرسف في أغلاله. كان من نتائج هذه النظرة الى الشهوة في الإسلام وهو ما يثير استغراب غير المسلمين أن المسلمين في مجموعهم لا يرون أي تعارض بين التقوى الشديدة أو حتى الزهد وبين الإقبال على النشاط الجنسي. كان عليّ بن أبي طالب وابنه الحسن شديدي الولع بالنساء، مزواجين مطلاقين، عكس معاوية بن أبي سفيان الذي لم يكن يولي إشباع الشهوة قدراً كبيراً من اهتمامه. ومع ذلك فما من أحد بوسعه أن يزعم أن معاوية كان أعظم تقوى من النبي أو من عمر وعلي والحسن بن علي. كذلك فإننا لا نلمس أية مشكلة تثيرها حدة الرغبة الجنسية عند أعلام الصوفية وغير أعلامها عكس الحال مع متصوفة المسيحية كالقديسة تيريزا، أو مع رهبانها ونساكها ورجال الدين الكاثوليك، فالغالبية العظمى ممن نعرفهم من أعلام التصوف الإسلامي كانوا يتزوجون ويتسرون وينجبون، ولو كانوا وجدوا تناقضاً بين النشاط الجنسي وبين السعي وراء الانغماس في الذات الإلهية، لتحدثوا عنه، ولوصلتنا بعض أقوالهم في هذا الصدد، كتلك التي وصلتنا عند استنكارهم للنهم الى الطعام، أو الانشغال بالملبس. أما القليلون الذين تركوا عمداً خلاط النساء، أو ظنوا أن النشاط الجنسي يشغلهم عن مقتضيات العبادة، فالأرجح في ظننا أن موقفهم هذا جاء متأثراً بديانات الهند، أو بممارسات رهبان المسيحية ونساكها. وقديما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "إن كنت من رهبان النصارى فالحق بهم، وإن كنت منا فمن سنتنا النكاح". كما حكى عن أحد الصالحين المكثرين للنكاح أنه أجاب على استنكار متصوف لمسلكه: هل يحدث حين تجلس بين يدي الله تعالى جلسة أن يخطر على قلبك خاطر شهوة؟ قال: يصيبني من ذلك كثير. فقال: لو رضيت بمثل حالك لما تزوجت، لكني ما خطر على قلبي خاطر شهوة يشغلني عن العبادة إلا قضيت شهوتي فاستريح وأرجع الى شغلي! قارن هذا الموقف بالمنام الذي رأت فيه القديسة تيريزا وكأن "ملاكاً بالغ الحُسن والجمال يطعن قلبي مرات عدة بقضيب طويل من الذهب في رأسه نار، حتى بلغ به صميم أحشائي... وقد كان الألم حقيقيا لدرجة أني اضطررت الى التأوه بصوت مسموع. ومع ذلك فقد كانت اللذة عظيمة طغت على ما كنت أشعر به من الألم. فما في الحياة من ملذة بوسعها أن تحقق مثل هذا الرضا. وإذ استل الملاك القضيب تركني أتحرق حباً في الله". وهو منام كان كفيلاً بأن يُثلج صدر فرويد! ومع ذلك فإن الكاثوليك الأسبان يحتفلون في السابع والعشرين من آب أغسطس من كل عام بذكرى هذه الرؤيا للقديسة تيرزا، وهي رؤيا لا نحسب متصوفاً مسلما رأى مثلها، كما لا نحسب متصوفاً مسلماً واحداً يمكنه أن يقول مع الزاهد بطرس داميان: "بوسعي الآن وقد طعنت في السن أن أنظر وأنا آمن الى وجه امرأة عجوز شمطاء عمشاء العينين. أما من هن أجمل منها وجها فإني أغض الطرف عنهن، وأحذرهن كما يحذر الصبيان من النار... ويلاه أيها القلب المفجوع الذي لا يستطيع أن يحفظ آيات من الكتاب المقدس قرأتها مئة مرة، في حين لا تمحي منه صورة امرأة لم أرها غير مرة واحدة"! كانت العفة تبدو لمعظم الرهبان في صورة صراع نفسي حاد بين المرأة والمسيح، وكان تشهيرهم بالنساء واعتبارهن أداة للشيطان، من قبيل محاولة إماتة شعورهم بمفاتنهن، والتاريخ مع هذا مليء بقصص الرهبان الذين سمحوا لأنفسهم بالوقوع في براثن هذه المفاتن. كما أننا نجد في التماثيل المقامة في بعض الكنائس الكبرى والنقوش المحفورة في أثاثها، بل الرسوم المصورة في بعض الكتب المقدسة نفسها، ما يمثل عبث الرهبان والراهبات، وأثواب الدير بارزة فوق أعضاء التذكير المنتصبة. وقد سمح رجال الكنيسة في العصور الوسطى بهذه الرسوم والتماثيل، غير أن رجال الدين في عصرنا هذا رأوا من الأفضل إزالة الكثرة الغالبة منها. كان الإسلام دائماً يرى فضل المتزوج على الأعزب، كفضل المجاهد على القاعد. وقد اعترف الجميع له، حتى من كانوا من أعدائه، أنه حقق توازنا مرضياً بين الأخلاق والغرائز، وأنه بإقراره أن الانسان بعيد عن الكمال وبتقبله لأوجه ضعفه، أفلح في استئصال الشعور بالذنب لدى المسلم. وهو إحساس مرضي كثيراً ما تسبب لدى أفراد الملل الأخرى في اضطراب فكري وسلوكي. وفي ضوء هذا يمكن القول إن الإسلام عَمَرَ قلوب اتباعه بثقة أساسية في الحياة، وزودهم بنظرة إيجابية متفائلة إليها، وأنه لا يرى من بين خطايا البشر خطيئة لا تغتفر غير خطيئة الشرك بالله. إزاء هذه النظرة المتفائلة الى الحياة والى الشهوة، لم يكن من المستغرب أن يصفها شوبنهاور بالسطحية المفرطة. ومع ذلك فقد رأى الرجل في الإسلام ونمط الحياة الإسلامية ما أقره وحمده. فهو الذي دعا الأوروبيين عقب الحروب النابوليونية التي حصدت أرواح الآلاف المؤلفة من الرجال. وتركت نسبة الإناث أعلى بكثير من نسبة الذكور، الى الأخذ بمبدأ تعدد الزوجات الكفيل بإنقاذ ملايين النساء من شرور الدعارة والوحدة. غير أن الأهم من ذلك أنه "مع اعترافه بأن ضعف النساء يستدعي معاملتهن معاملة رقيقة خاصة"، كان يستشيط غضباً إزاء تسميتهن بالجنس اللطيف، ويثير ضحك وسخرية المسلمين والشرقيين عموماً، ويذكرهم بتقديس البقر في الهند، والقرود في مدينة بينارس، كما أنه كان كفيلاً بأن يكون مثار الاستهزاء عند الإغريق والرومان. فتسمية النساء بالجنس اللطيف لم تكن لتصدر - في رأي شوبنهاور - إلا من رجال غلبت الشهوة على عقولهم، وتأثروا بأفكار الحمقى من الفرنسيين عن النخوة وأخلاق الفروسية والشهامة، فإذا هم بتبجيلهم الزائد للمرأة، وإفساح مكان الصدارة لها، وتقديمها على الرجل، وتقبيلهم يدها، إلى آخره، زادوها صلفا وغطرسة حتى هُيئ لها أن بوسعها الإقدام على فعل أي شيء، وأحلوها مكانة زائفة ليست أهلاً لها، ولا هي بالتي تمتلك مقومات شغلها. أما المسلمون فكانوا دائماً يضعون نساءهم في مكانهن الطبيعي، مما كانت له آثاره الحميدة في حياتهم الاجتماعية، وهو ما ينبغي للأوروبيين أن يسعوا الى التعلم منه، والاقتداء به. * كاتب مصري