لكل شيء نهاية… وليفربول الذي سيطر طويلاً على الكرة الانكليزية لم يكن استثناء، سيطر غيره في فترات متفاوتة ثم هوى بدوره، والفريق القادر على البقاء في القمة ابداً غير موجود. طي الصفحات ضروري في ميادين المستديرة الصغيرة منعاً للروتين وللابقاء على شعلة الاثارة متأججة، وهذا المنطق لم ينطبق على ليفربول وحده عندما ترك الشهرة والالقاب لمنافسه مانشستر يونايتيد، بل انطبق على مراكز القوى ككل. وسيطرة مانشستر على الألقاب المحلية بدأت مع بداية التسعينات وتحت اشراف مدرب قدير اسمه اليكس فيرغسون، وهذا الاسكتلندي الذي نال لقب "سير" بعد ان حقق اخيراً رباعية تاريخية هو اكثر المدربين في العالم حصداً للالقاب. ويبقى عام 1999 محفوراً في تاريخ "الشياطين الحمر" وفيرغسون معاً بعد تحقيق الفوز بالبطولة المحلية وكأس انكلترا وكأس ابطال اوروبا والكأس القارية انتركونتيننتال، وكادت تكتمل الخماسية التاريخية لولا ان لاتسيو الايطالي "تعملق" وفاز على مانشستر بهدف التشيلي مارتشلو سالاس وحصد الكأس السوبر الاوروبية. واسلحة فيرغسون 58 عاماً اربعة... عين خبيرة وقراءة سريعة للملعب ولتحركات الخصم وصبر وقليل من الحظ. وخير مثال على ذلك الفوز العجيب الذي تحقق للانكليز على بايرن ميونيخ الالماني في نهائي دوري ابطال اوروبا الموسم الماضي على ملعب نوكامب في مدينة برشلونة الاسبانية. تقدم الالمان بهدف لكن فيرغسون سرعان ما قرأ الملعب بعينه الخبيرة واجرى تعديلاته البشرية والفنية... وصبر حتى وافاه الحظ واحرز فريقه هدفين ولا اغلى في الوقت بدل الضائع! ويمكن لفيرغسون ورجاله ان يضيفوا لقباً عالمياً جديداً الى سجلهم الذهبي عندما يخوضون اعتباراً من الخامس من الشهر المقبل تحدياً جديداً ممثلاً ببطولة العالم الاولى للاندية في البرازيل، ورغم ان مهمة الشياطين الحمر ستكون صعبة على اعتبار ان المنافسات ستشهد اسماء من الوزن الثقيل امثال ريال مدريد الاسباني وكورينثيانز البرازيلي ومواطنه فاسكو دا غاما الى جانب النصر السعودي والرجاء البيضاوي المغربي وساوث ملبورن الاسترالي ونكاكسا المكسيكي… الا ان بريطانيا كلها تراهن على ان اللقب سيكون من نصيب فريقها بفضل قدرات فيرغسون الجبارة في توظيف لاعبيه داخل الملعب. مسيرته الكروية فيرغسون علم من اعلام كرة القدم… وافضل مدربيها على الاطلاق وفقاً للارقام، فهو الوحيد الذي حصل على 28 لقباً خلال مسيرته التدريبية التي بدأت عام 1974 مع فريق الدرجة الثانية الاسكتلندي سانت ميرن. لم يكن لاعباً متألقاً ابداً رغم انه بدأ ممارسة اللعبة في عمر 16 سنة وتحديداً عام 1957 مع فريق كوينز بارك في سان جونستون، ثم انتقل الى دونفرملين عام 64. لكن قلبه بقي متعلقاً دائماً بفريقه المفضل رينجرز الذي لعب له في عام 1967 بعد فترة وجيزة قضاها مع ابردين. وتصور فيرغسون انه سيصنع امجاده مع رينجرز، لكن الرياح لم تأت كما يشتهي هو وتم تسريحه بعد موسمين فقط اثر الهزيمة القاسية امام سلتيك في كأس اسكتلندا. اعتزل فيرغسون اللعب عام 1974، وبدأ فوراً مهامه التدريبية مع فريق الدرجة الثانية سان ميرن وصعد به الى الاولى عام 1977. ثم انتقل الى ابردين حيث بدأ نجمه يلمع واستطاع ان يقهر العملاقين رينجرز وسلتيك وان يحصد اللقب الاكبر اعوام 80 و84 و1985، وضم اليهم كأس الكؤوس الاوروبية عام 1983. وكان فيرغسون على موعد مع "السعد" في 13 تشرين الثاني نوفمبر 1986 عندما انتقل الى انكلترا وصار مدرباً لمانشستر، لكنه لم يتمكن من تحقيق اي انجاز خلال سنواته الاربع الاولى معه. وفي خريف 1989 طالبت جماهير النادي بإقالته بيد ان الادارة تمسكت به وكانت لديها كل الحق. غضب الجماهير على المدرب كان وراء فورته، ولم تمض الا شهور قليلة حتى حقق مانشستر فوزاً كبيراً على كريستال بالاس وحصل على كأس انكلترا في كانون الثاني يناير 1990. وفي 1991 فاز بكأس الكؤوس الاوروبية. وآمن فيرغسون بأن الايام تمضي ولا تتشابه ابداً وتبديل "جلد" الفرق الكبرى بالذات عامل اساسي لابقائها في دائرة الضوء، ولولا ذلك ما حافظت على صفة "الكبرى"، على مدى عشرات السنين. ولذا اهتم بتجديد فريقه، واستنبط من مدرسة الكرة بالنادي ناشئين صاروا نجوماً فيما بعد امثال غيغز وبيكهام وبات وسكولز ولم يمنعه ذلك من دعم فريقه بنجوم اجانب على مستوى رفيع. واستعان فرغسون بأبرز لاعبي عصره الفرنسي اريك كانتونا فاخرج مانشستر من فترة "جفاف" استمرت 26 عاماً عندما فاز ببطولة الدوري موسم92-93، وبعدها كرّت السبحة وفاز مانشستر يونايتد باللقب 5 مرات في 7 سنوات. وحصل فرغسون حتى الآن على 28 لقباً ويليه في ذلك مواطنه جوغ ستين 26 ثم الايطالي جيوفاني ترباتوني 20 والاوكراني فاليري لوبانوفسكي 20 والنمسوي ارنست هابل 18. وقرر فيرغسون منذ الان ان يهجر ملاعب الكرة الى الابد بنهاية عقده مع مانشستر في 2002. الوجه الآخر والوجه الآخر ل"سير" فيرغسون لم يكن مضيئاً ابداً في بداية عهده بالحياة، فهو ولد في اسرة فقيرة جداً في غافون. والده كان حمّالاً في احد مخازن ميناء غلاسكو ووالدته عاملة في احد المصانع، اما هو فاضطر الى العمل في مصانع رمينغتون للادوات الكهربائية وهو لم يتجاوز ال14 ربيعاً. عاش طفولة تعيسة واقتصر منزله على غرفتين فقط كان يشغلهما هو واشقاؤه في حين اتخذ الأبوان من المطبخ مكاناً للنوم، ومع هذا كان جيرانهم يحسدونهم لأن دورة المياه الخاصة بهم كانت داخل المنزل عكس بقية المنازل المحيطة. وبرزت سريعاً روح القيادة لدى فيرغسون، وبدأ يهتم بالعمل النقابي وقاد اكثر من اضراب احتجاجاً على الاوضاع السيئة التي كان يعيشها العمال البريطانيون عام 1961. كان يعمل ويلعب في ان واحد وفي زمن لم يعرف الاحتراف وكان ينفق من راتبه الضئيل على هوايته المفضلة… اما الآن فهو يعيش حياة رغدة طبعاً ويكفي ان نعلم انه حصد من وراء تأليفه لكتابه الاخير "ادارة حياتي" اكثر من مليون جنيه استرليني. الألقاب حصل فيرغسون على كل ألقابه مع فريقين فقط... ابردين الاسكتلندي ومانشستر الانكليزي، وفاز مع الاول ببطولة اسكتلندا مواسم 79-80 و81-82 و82-83 و83 -84 و84-85، وكأس اسكتلندا مواسم 83-84 و85-86، وكأس الدوري الاسكتلندي موسم 85-86، وكأس الكؤوس الاوروبية موسم 82-83، والكأس السوبر الاوروبية في الموسم ذاته. ثم بدأ رحلة الفوز مع مانشستر وحصل على بطولة الدوري مواسم 92-93 و93-94 و95-96 و96-97 و98-99، وعلى كأس انكلترا 89-90 و93-94 و95-96 و98-99، وكأس الدوري الانكليزي 91-92، والكأس السوبر الانكليزية 92-93 و93-94 و95-96 و96-97، وكأس الكؤوس الاوروبية 90-91، وكأس ابطال اوروبا 98-99، والكأس السوبر الاوروبية 90-91، والكأس القارية 99-2000.