إذا، دخل عام جديد، تمر علينا أيام قبل أن نتعود على كتابة الرقم الجديد. واذا، دخل عقد جديد، أخذنا وقتاً اطول لكي نتعود على كتابة الرقم الثالث في التاريخ. جئنا، أو جاء، معظمنا الى الحياة، ووجدنا القرن العشرين شاباً، يافعاً، أو كهلاً. وتعودنا على الرقم تسعة، يحتل مكانة دائمة، ولم يخطر ببالنا يوماً، اننا سنبدله رقماً آخر، ولم نفكر كيف سيكون شكل الكتابة، في غياب هذا الرقم الأثير. ولكن، الزمان يمضي، والأيام تمر، والتاريخ يسير، ويتبدل، وسنواجه غداً تبديلاً كاملاً لكتابة التاريخ، اذا كتب الله لنا البقاء حتى الصباح الألفي الجديد. سيكون من المثير، ان نكتب الرقم ألفين لنُدل به على الزمان، الذي نعيش فيه. ورغم انه، حوالي ستة مليون انسان سيعبرون هذه العتبة التاريخية، إلا ان نسبة متواضعة، من البشر الذين سكنوا الارض، عبر القرون الطويلة، سنحت لهم فرصة عبور هذا الرقم العجيب، قبل الميلاد، وبعده، وعلى اختلاف انظمة التقويم التاريخي، عربياً وميلادياً ومصرياً وصينياً وهندياً.. الخ. سيكون، صباح غد السبت، اليوم الاول، من الالفية الجديدة، صباحاً عادياً، فلن يغير اليوم الأول من القرن الواحد والعشرين احوال الشعوب، والمدن، والافراد. فالتحول والتغير، في حياة المجتمعات الانسانية قضية مستمرة، لها جذورها ومساراتها، ولن يغير منها كثيراً، قدوم عام، او عقد، او قرن، او حتى الف سنة جديدة. سنحظى نحن العرب برفقة شعوب القرن الواحد والعشرين والاحتفال معهم بألفيتهم الجديدة، وسنعيش الصخب، والاضواء، وربما ألقينا خطبة، او خطبتين، أو موعظة، أو موعظتين، ثم نعود في نهاية الاحتفال الى قرننا النفسي والتاريخي الذي فرضت ظروفنا ان نعيش فيه. الأمم الفعالة في القرن الواحد والعشرين، هي الأمم التي عاشت القرن العشرين بفعالية، وساهمت في صنع احداثه واكتشافاته وصنعت موقعها، بين الامم الاخرى، قوة اقتصادية ومؤسسات اجتماعية وسياسية وزخما معرفيا وتكنولوجيا. ومن حق هذه الامم ان تنتعش وتنتشي وتحتفل بهذا القرن الجديد، وألفيته الجديدة، وترقص له. هناك، امم تصرف وقتاً طويلاً، وتبذل جهداً كبيراً، في الحديث عن القرن الجديد وتتجادل حوله كثيراً، وتختلف كثيراً، لكنها أمم متفرجة، تشاهد مسلسلاً تلفزيونياً، لم تشارك في انتاجه، او أخراجه، وليس لها فضل، حتى في صنع الجهاز، واختراع الكهرباء التي يعمل بها. سيتكون الرقم الدال على الزمان الجديد، من ثلاثة اصفار، ورقم واحد صحيح. خمسة وسبعون في المئة من التاريخ الجديد أصفار مدورة أو منقطة ولا فرق في ذلك، فالصفر يظل صفراً، منقطاً او مدوراً. وليس أكثر دلالة على احوال العالم، في مطلع القرن الجديد من الأصفار الغالبة على كتابته، فإن خمسة وسبعين في المئة من البشر يعيشون حالات فقر، وتخلف صفرية، واقل من خمسة وعشرين في المئة، من سكان العالم يتنعمون بالرخاء المفرط والتقدم المذهل، والريادة السياسية والاقتصادية. قد يكون لنا بعض العزاء، في ان الاصفار الزمانية، تقع الى يمين الرقم الواحد الصحيح. وهذا عزاء نحتاجه وتحتاجه كل أمم صفرية. ولكن الحقيقة تقول ان الاصفار تظل اصفاراً، وعدما، ولا شيئاً، في غياب الرقم الواحد الصحيح. نحن متفائلون، وسنظل متفائلين. وإذ يقدم هذا القرن الواحد والعشرين، ويبدأ في تبديل أصفاره الى ارقام صحيحة، فإننا نأمل متفائلين، ان نكون من الأمم الفعالة المساهمة في استبدال الاصفار ارقاماً صحيحة. كل عام، ومئة عام، وألف عام، وانتم بخير. وشمل الله ازمنتنا العربية والانسانية بالرخاء، والسلام، والحق، والعدل.