حتى ذلك الحين، كانت السينما مجرد وسيلة ترفيه وصناعة وتجارة. ولكن فجأة، مع فيلمه الطويل الأول "مولد أمة" قفز الاميركي د. و. غريفيث بفن السينما الى مستويين، لا يوجد ما يجمع بينهما نظرياً: فمن ناحية قدم ما اعتبر أول عمل "سينمائي فني حقيقي" في تاريخ الفن السابع، ومن ناحية ثانية قدم فيلماً ايديولوجياً أثار، من هذا الجانب، لغطاً كبيراً ووصل الأمر ببعض الجمعيات التقدمية الى المطالبة بمنعه. الناحية الفنية أولاً: ففي هذا الفيلم أدخل غريفيث من التجديد على الاشكال السينمائية ما اعتبر فتحاً واضافة، مثل التوليف المتوازي، واللقطة المكبرة، واللقطة الاستعراضية، والاختفاء والظهور بين لقطة واخرى... الى آخر ما هنالك. بعد ذلك، تأتي الناحية الايديولوجية، حيث ان "مولد أمة" الذي تحدث عن تاريخ الولاياتالمتحدة الاميركية، مركزاً على الحرب الاهلية وتحرير لينكولن للعبيد، كان غامضاً في بعض تفسيراته، الى درجة اعتبر معها دفاعاً عن وجهة نظر الجنوبيين الانشقاقيين، خصوصاً وان الفيلم ألقى نظرة لا تخلو من تعاطف تجاه الظروف التي أحاطت بتأسيس منظمة "كو كلاكس كلان" الارهابية البيضاء. غير ان هذا كله لم يمنع النقاد ومؤرخي السينما من اعتبار "مولد أمة" الفيلم الذي أضاف الى فن السينما اكثر مما أضاف أي فيلم آخر في تاريخ هذا الفن. أما تخلفه الفكري فقد نُظر اليه على انه من مخلفات مرحلة كان لا بد ان تترك آثارها لدى بعض الفئات.