ما هو معيار فعالية الشباب في المجتمع!! هل تتجسد هذه الفعالية في نتاجات الشباب الثقافية من مسرح وسينما وقصة ورواية. أم في انخراطهم أيضاً في العمل السياسي - الاجتماعي، وبالتالي، خلق حركة ذات بعد ثقافي مستقبلي تجسدها أية دراسة سوسيولوجية ميدانية. هل يتجلى هذا المعيار في عدد المقاهي التي يرتادها الشباب في المدنية!! أم في عدد الشباب في المقاهي!. أم عدد الطلبة في الجامعات! والعاطلين عن العمل في البيوت والشوارع بعد الدراسة الجامعية! هل يتجلى في صوت الشباب الحر الناقد الواعي المساهم في بنية حركية الحياة، حراكها، أي زخمها الموضوعي!! أم هو مجرد تعداد لأفراد الأسرة في الاحصائيات!! وهل يجب ان يكون المجتمع مرآةً للشباب!! ليست بأسئلة، بل تساؤلات تحمل ضمنياً وعلنياً إجاباتها. فقتامة الحياة، وتدني المستوى المعيشي وعدم إتاحة الفرص المتساوية في العمل للجميع بحسب الكفاءة، وتقليص هامش الحرية الى الحد الذي تقترب معه فعالية الشاب الفعلية في نتاجها في المجتمع من فعالية العجوز. ويحتاج الشاب معها الى حكمة الشيخ أكثر مما يستطيع بناء حكمته عبر خبرته في حياة ينخرط فيها بشغفٍ ليساهم في بناء موقعه كفرد في مجتمع مدني يبنيه أفراد في مؤسسات تخضع لقوانين دولة تقع في قارة على الكرة الأرضية بين باقي المجرات والكواكب. هذه الحالة تُزيد من وصاية الأسرة على الأبناء، ومن حاجة الأبناء للأسرة، حيثُ لم يستطيعوا امتلاك زمام فرصة العيش المستقلّ، وبالتالي تشكل العائلة في مثل هذه الظروف، كتلة المجتمع المختلفة الأجيال والآراء والأهواء والاتجاهات، لكنها من حيث الفعالية الواقعية هي كتلة صماء، المُعيل الاقتصادي فيها هو المتحدث باسمها. ويشكل بذلك أصحاب أو أبناء الفُرص الاستثنائية الذين استطاعوا إما بفضل حالةٍ اقتصادية متميزة للأسرة الحصول على فرصهم أو عدم السعي وراء هذه الفُرص، أو أحياناً بسبب تفوقهم في مجال الاختصاص الجامعي الذي يساعدهم في شق طريقهم المستقل وبالتالي في رفد المجتمع بخبراتهم ورفد أنفسهم بسعادة تحقيق الذات. أو عن طريق "الوساطة" أي تأمين فرصة استثنائية لفلان وفلان بسبب علاقات تربط أسرته لسبب أو لآخر مع فلان وفلان من المسؤولين. ومثل هذه "الوساطة" موجودة في الغرب لكن بنسب أقل بكثيرٍ مما هي عليه في العالم الثالث. هذه الحالات الخاصة لا تشكل بأي حالٍ حلاً شاملاً لمشكلات الشباب الساعي الى تأمين المستقبل، ويتم التعامل مع هؤلاء الشباب كأفواهٍ تبحث عن لقمة العيش وليس كقوة أساسية في المجتمع. لذلك تزداد اللاعدالة، ويفقد الشباب القدرة على تحقيق الذات المؤجلة الى قدوم الظروف المؤاتية. وغالباً ما تأتي هذه الظروف بعد فواتِ سن الشباب. هذه الحالة هي مرآة عامة أخلاقية. لماذا يتساوى القانون والمواطن في العالم الثالث؟ فالقانون مُهمش والمواطن مُهمش. لماذا لا تعلو سلطة القانون لكي تحقق العدالة والمساواة بين الأفراد! ولماذا يغدو ذلك النوع من السلطة الاقتصادية التجارية، سليل السلطة السياسية هو السائد. فتقبض هذه السلطة ذات الحدين على الزمان والمكان، فيخرج من هو خارج نفوذ هذه القوة النابذة، ليصبح بعيداً على هامش الحياة. حياته هو. ومع الزمن، يصبح متفرجاً مزمناً على ما يجري. ومعه قد ينسى الزمن هذا المرء الذي بات يحبّ دوره البعيد هذا، كي يحب حياته قليلاً. يحب دوره اللادور. وحياته اللاحياة. دوره اللامسؤول الذي يحميه، فيصبح مع الزمن عاشقاً لهذه الفرجة، وتصبح هذه الفرجة أخلاقية جديدة سائدة تصون صاحبها الذكي وتدين الغبي الذي انزاح عن الزيح ففضح الخط الأحمر. وإذا حاول هذا المتفرج الذكي، وانخرط ودخل، فلكي يدلي بخبرته التأملية الطويلة من أجل تحسين أدائه كمتفرج. ومن أجل تحسين أداء فُتاتِ الخبز لأشباه العصافير على أشباه الشُرُفات. ومع الزمن أيضاً، يصير لسلطة الهامش هذه قوة مغناطيسية جاذبة موازية تجعلها مرآة لأخرى سائدة. وتبقى الآراء التي لم تندغم في أي حقل أو كتلة، بل استطاعت البقاء مستقلة قوية حرة محاورة بحكم قوة عمقها التاريخي والمستقبلي واستنادها على حقها القانوني في المشاركة، تبقى هذه الآراء المستقلة تحتلُّ موقعاً محترماً متميزاً في المجتمع، هو موقع الحاجة الى المختلف بحكم ضرورة البحث عن التغيير بمعنى التطور. التطور بمعنى قوة المجتمع، وقوة المجتمع بمعنى السعادة الاجتماعية. في بناء هذه السعادة الاجتماعية يكون للفرد دور كبير. وتكون الثقافة مرآة الحياة السياسية، ويكون المسرح والتلفزيون والشعر والقصة والسينما والرياضة والسياسة والاقتصاد والحدائق عناصر أساسية في لغة قوة المجتمع في بناء سعادته وفي بناء دفاعه الثقافي عن نفسه حيث الشباب حجر الأساس كما هي قصة الحضارات. * كاتبة سورية.