للهواء طعم الرطوبة المتخثرة والقصدير المحترق في شوارع ماكاو اللزجة التي تفوح منها روائح الاختلاط الهجين بين شرق متجذر وغرب وافد. وعشية سقوط المعقل الغربي الاخير في اسيا تبدو ماكاو مستسلمة لقدرها ان لم نقل مستبشرة به، وذلك عكس ما حدث لهونغ كونغ، المستعمرة البريطانية التي عادت الى الصين في تموز يوليو 1997 وسط هياج اعلام ضخم، ومخاوف على "الديموقراطية" و"الحريات". هنا القصة مختلفة تماماً. فالبرتغال غير بريطانيا، وما انسحب على هونغ كونغ من تردد وتخوّف وحذر، انقلب تهليلاً وتفاؤلاً في ماكاو. منذ اربعة قرون ونصف القرن وماكاو الصينية في قبضة الحكم البرتغالي. قوانينها الاستعمارية لم تتغير وحيّز الحرية السياسية فيها لم يؤد الى "شيء يذكر" كما يقول حاكمها، المصرفي الصيني ادموند هو. لكن الجرائم فيها استفحلت منذ الانحسار الاقتصادي الذي اصابها عام 1996. الشهر الماضي، امرت محكمة صينية باعدام ثلاثة رجال عقاباً على جرائم ارتكبوها في ماكاو، وخلال حملات متواصلة للشرطة طوال 1999، جرى القبض على 2450 مشبوهاً بينهم رؤوس عصابات صينية، وفي مقدم هؤلاء وان كوك - توبي المعروف باسم "صاحب السن المكسورة" احد ابرز قادة المافيا الصينية على الاطلاق. لكن سكان ماكاو البالغ عددهم اقل من نصف مليون نسمة يعتقدون ان قبضة المافيات الصينية ستبقى محكمة على اقتصاد ماكاو حتى بعد انزال العلم البرتغالي ورفع العلم الصيني وعلى رغم الاجراءات الصينية المعروفة بعسفها وبطشها، ذلك ان المصادر الاولية لدخل المستعمرة لن تتغيّر في العهد الجديد، وهي الميسر والدعارة والمخدرات.