عليّ أن أبعثر الجهات والمرايا كرجل ينهض من نومه بطيئاً متكاسلاً الجهات التي تطوّقني بألسنة اللهب فلا أستطيع الوقوف متعثراً بصخور البارحة ووجوه تتقاطر في نومي، برؤوس مقطوعة وقامات مديدة، تشبه النخل الذي خلفه أبي متمايلاً بحنينه إليه، تشبه المغيب الناضج كثمرهْ. عليّ أن أبعثر الجهات جميعها كي استطيع أن أتبيّنكِ قطرة في ظلام الصحراء وهذه الحشود التي تحصد رأسي بمناجلها المثلّمة. أن أتبين الضوء القليل الراشح في ليل القوافل ذؤابة الحقل الدامي وهذا الخلاء الطافح بالاشباح والبُداة وزئير الحيوانات المنقرضة أن أتبيّنكِ، ربما في آخر محطة للقطار ودّعتكِ فيها" من آخر مدينة للأقوام الثاوية في نومي. تشيرين الى البعيد باليد الهائمة في الهواء تمتمة الشفاه التي تشبه الثمرة الناضجة في المغيب حركة الأصابع المثنية في وحشة الجسد. عليّ أن أبعثر أشلاء اللحظة وأسوق الجيوش الى حتفها كجندي يستعيد يوم حربه الجندي الذي رأى الطائر في نومه فانتشله من بركة الدم ومضى كان يجري في حقول الظهيرة في يده الطائر على جسده زَرَدُ المعدن الثقيل باحثاً عن مكان عن سراب استراحة. الجندي الذي رأيناه معاً على منعطف الطريق بين الشمال والجنوب هو هو أو يشبهه كان يتحدث مع عمال القمامة بستراتهم السميكة لم يكن لابساً سترة المعدن بعد بماذا كان يتحدث ويحلم؟ بماذا كان يومئ الى رفاق الحانة؟ كان ليل ينكسر على رؤوسنا كانت مدينة بشرية كاملة من النمل تسرح في جروفه ]النملُ الذي بنى عرشه على الأرض وليس على الماء[ لم يكن لدينا بيت" باحثين عن مستقر بين جبال ومدن وقرى ضَرَبها الاعصار ذاتَ مساء كنا نرقب طلائعه البهيّة من شرفه تهتز عمارتها رأيتها البارحة في نومي لكن بصورة اكثر قتامة وذعراً ورأىت أني ذاهب الى نفق أبحث عن محفظتي التي نسيتها في المقهى. كان الاعصار يلتهم كل شيء كان يتلوى كمن يفترس نفسه بعذوبة موجة هائلة من الزبد والجنون معراج قيامة، قبلها أضاء المكان عبر بضع عواصف تائهة ما لبث أن دفع بأثقالها نحو الأعلى في هذه اللحظة تذكرت طوفان نوح تذكرت لوتريامون تذكرت القبلة الأولى بعد الاعصار تذكرت الجندي تائهاً بين الصحارى في يده الطائر على رأسه خوذة المعدن يركض في الهاجرة يطارده شبح الاعداء تطارده الظلال والثكنات. لم تكن الحرب التي كسرته وليس الاعداء الذين سكنوا تحت ضلعه طويلا بجوار قلبه المرتجف، كان الطائر وهو يرفس في بركة الدم كان الاعصار وهو يلتهم الاعماق كان القبر المفتوح كنهر من عظام الهالكين. مضى بصحبة الطائر في ليل وحدته بعيدا عن الثكنة بعيدا عن الجماعة. قال: ]يا ربي هؤلاء قومي وأنت أدرى بهم وإني لبريء من حربهم وسلامهم.. أيها الطائر امنحني قطرة من ماء روحك، امنحني السكينة[. كنا نبحث عن مستقر وسط الضجيج والأزمات وكان الطائر قبل وقوعه في بركة الدم باحثا هو الآخر وسط عذوق النخل المتمايل بفعل العواصف في السحب الداكنة من غير مطر وسط الأكمات. * مقاطع من قصيدة طويلة.