لم يتمكّن التشيليون من حسم خيارهم عبر انتخابات الرئاسة التي شهدتها بلادهم الأحد الماضي، فتوزعت اصواتهم بالتساوي تقريبا بين ائتلاف "التشاور" اليساري الحاكم و"التحالف من أجل تشيلي" اليمين. فقد رأت نسبة 48 في المئة منهم أن مرشّح "التشاور" ريكاردو لاغوس هو الأَولى بتولي الرئاسة في حين رأت نسبة 49،47 في المئة أن الحكم ينبغي ان ينتقل الى جواكين لافين مرشّح التحالف الموالي للرئيس السابق الجنرال اوغوستو بينوشيه. وعلى ضوء هذه النتيجة سيعود التشيليون مجددا الى صناديق الاقتراع في 16 كانون الثانييناير المقبل، في دورة انتخابية ثانية تحدّد هوية الحكم، يمينا أم يسارا، للسنوات الست المقبلة. ووسط حالة الاستقطاب القصوى التي تطغى على هذه الإنتخابات يجد كل من المتنافسين لاغوس ولافين صعوبة بالغة في التخلّص من شبح الديكتاتور السابق بينوشيه الذي خيّم على حملة كل منهما. فرغم الإتفاق الضمني بينهما على إبقاء الإنتخابات بعيدة عن نبش الماضي، وعن الغوص في الاتهامات والإتهامات المضادة حول الحقبة السوداء التي عاشتها تتشيلي بعد الإنقلاب العسكري في ايلول سبتمبر 1973، فإن لافين ولاغوس لم يتمكنا من أن يحجبا عن حملتهما ظل الجنرال بينوشيه الذي كان قد قاد هذا الإنقلاب. فالديكتاتور السابق لم يعد في عداد الشخصيات الرفيعة للدولة منذ آذار مارس 1998 عندما تخلّى عن منصب القائد العام للقوات المسلحة في البلاد، وانتقل الى تولّي منصب عضو مدى الحياة في مجلس الشيوخ. وتخليه عن بذلته العسكرية جعله يفقد جزءا من نفوذه وسطوته على البلاد، لكن اعتقاله في 16 تشرين الاول اكتوبر 1998 في بريطانيا عاد ليُظهر مجددا مدى حضوره على مستوى البلاد. وهذا ما عكسه اضطرار كل من لاغوس ولافين الى تحديد موقفٍ من قضية اعتقاله واحتمال تسليم بريطانيا له الى القضاء الاسباني بهدف محاكمته. فلاغوس الذي اعتقل لمدة ثلاثة أسابيع عقب محاولة الاغتيال التي تعرّض لها بينوشيه سنة 1986، والذي كان من أبرز الذين طالبوا برحيله عن الحكم، اضطر انطلاقا من كونه مرشّح "التشاور" الى اعتماد موقف يتسم بالمرونة، على غرار الموقف الذي اعتمدته حكومة الرئيس الحالي ادواردو فريه. هكذا دعا الى إطلاق سراحه ملمّحا الى احتمال محاكمته من قبل القضاء في تشيلي، مراعيا بذلك موقف أسرته السياسية وموقف قطاع واسع من الرأي العام في البلاد. واعتمد لافين من جانبه موقفا لا ينطوي على تباين مع موقف منافسه، فدعا الى تسليم بينوشيه سلطات بلاده من أجل "المصلحة الاجتماعية ونهج المصالحة"، مُبديا بذلك حرصه على أصوات العسكريين وأقربائهم الموالين لبينوشيه ممن تقدّر نسبتهم بحوالي عشرة في المئة من ا لناخبين. ونظرا لما يشبه التوافق بين المرشحين حول هذه القضية يبقى على الناخبين ان يحددوا خياراتهم، انطلاقا من اعتبارات على صلة بمواصفات كل من لاغوس ولافين. فلاغوس اقتصادي ومحامٍ في الواحدة والستين من العمر وسبق له أن تولّى مناصب وزارية في الحكومات اليسارية التي توالت على الحكم منذ سقوط ديكتاتورية بينوشيه. وفيما لا يرى فيه البعض في تتشيلي سوى شخصية "ماركسية"، فإنه أصّر طوال حملته الإنتخابية على تقديم نفسه بأنه رئيس "للإستمرارية"، وأن توليه الرئاسة يعني متابعة ما قام به فريه الذي نجح عبر ولايته في تحقيق مهمة شديدة الصعوبة هي: اضفاء الاستقرار الإجتماعي والسياسي على البلاد. وبهذا المعنى تعرّض بالنقد الراديكالي لدور حزبه الاشتراكي في عهد اليندي في ارتكاب الاخطاء الضخمة التي سهّلت مهمة الانقلاب. أما لافين 46 عاما فهو إقتصادي وأب لسبعة أطفال، سبق ان عمل معاونا لبينوشيه. ويوصف لافين بأنه "النجم الصاعد" للقوى اليمينية في البلاد. كذلك يقدّم لافين نفسه، هو الذي يُعدّ من كبار مؤيدي الليبرالية الاقتصادية المفرطة، على أنه "رجل سلام" ورئيس "للتغيير" بعد مضي عشر سنوات على حكم اليسار للبلاد. وبين "الاستمرارية" الممثلة بلاغوس و"التغيير" الممثل بلافين تعود الكلمة مجددا للناخبين التشيليين... ووراءهم صور متفاوتة عن ماضٍ تناحري.