يتنافس 2300 مرشح "فردي" و3224 مرشحاً يتوزعون على 26 قائمة حزبية على 450 مقعداً في مجلس الدوما النواب في ثالث انتخابات برلمانية في روسيا خلال ست سنوات. وتجرى الأحد انتخابات المحافظين في المدن الكبيرة، بينها موسكو. وتبدو المعركة الانتخابية غريبة تختلف عن الانتخابات السابقة ولا تشبه، على الاطلاق، الممارسات الانتخابية الغربية. ومن الميزات المشتركة القليلة لانتخابات عام 1999 والانتخابات الحالية بقاء الحزب الشيوعي أقوى الأحزاب والكتل في جذب أصوات الناخبين. وقال عضو في اللجنة العليا للانتخابات ل"الحياة" ان كبار موظفي الديوان الرئاسي يدركون سلفاً ان الحزب الشيوعي سيفوز بما لا يقل عن 150 مقعداً، اضافة الى حوالى 20 نائباً مستقلاً قريبين من التوجهات الشيوعية. وأفاد الحزب كثيراً من الحرب الاعلامية بين الكرملين والكتل المرتبطة به من جهة وحركة "الوطن كل روسيا" بزعامة يفغيني بريماكوف ويوري لوجكوف، واستطاع الشيوعيون أن يعملوا في هدوء على تعبئة أنصارهم خصوصاً في المناطق التي تضررت كثيراً من "الاصلاحات" الاقتصادية الفاشلة. وأثرت احداث الأشهر الأخيرة كثيراً في موازين القوى السياسية فبعد سلسلة من الأخطاء الفادحة والنكسات وفّق يلتسن والديوان الرئاسي أخيراً في اختيار فلاديم بوتين رئيساً للحكومة وهو رجل يجمع القوة والحزم في خطواته، خصوصاً في الحرب الشيشانية، وبين الولاء التام لرئيس البلاد و"عائلته". وجاء الهجوم الشيشاني على داغستان وسلسلة أعمال التفجير في المدن الروسية والمأزق الذي انتهى اليه اصلان مسخادوف في غروزني التي تحولت الى مصدر خطر حقيقي على روسيا، والى "دملٍ ملتهب في خاصرتها" مما شكل فرصة ذهبية لاطلاق "عملية مكافحة الارهاب" وسط اجماع شعبي قلما حدث في روسيا، اذ تغيرت نظرة كثير من المواطنين الى الحكومة والسلطة نحو الأفضل، كما حالف الحظ موسكو من خلال تحسن الوضع الاقتصادي بفضل ارتفاع أسعار النفط وعوامل أخرى. نجح الكرملين في تسخير كل الموارد الاقتصادية التي بات يتصرف بها بعد وضع المقريبين اليه على رأس معظم المؤسسات الاقتصادية والصناعية والمالية، التي تتعامل بمبالغ ضخمة، لخدمة اغراضه واستنفر الاقنية التلفزيونية الفيديرالية في المعركة الانتخابية لمصلحة المرشحين الموالين له. وتبين ان السلطة ما زالت تمتلك امكانات كبيرة جداً تتلاعب بالوعي الجماهيري، خصوصاً ان الكرملين سمح لنفسه ولأنصاره والتابعين له من موظفي الأجهزة الحكومية استغلال السلطة في الصراع الانتخابي. وجرى الهجوم الاعلامي الكبير المركز على كتلة "الوطن كل روسيا"، خصوصاً على يوري لوجكوف محافظ موسكو الذي اتهم بألف "جريمة" وجريمة، وسكب "صهاريج" من القاذورات على كتلته وتحركت النيابة العامة والشرطة بعد امضاء المسؤولين الموالين للوجكوف لوضع الدواليب في عجلات كتلة "الوطن كل روسيا". وفي الوقت نفسه تم ضخ الاوكسجين في رئتيي "قوى اليمين" الذي كان في حالة قريبة من الاحتضار قبل أشهر، وشكلت كتلة "الوحدة" أو الدب بزعامة سيرغي تسويغو وزير شؤون الطوارئ من الصفر تقريباً وصدرت أوامر الى الخاضعين لمشيئة الكرملين والحكومة بدعم "حزب السلطة" العتيد. وطلب من بوتين الاعلان عن تعاطفه معه. كل هذا النشاط جرى من أجل حظر إعادة توزيع الممتلكات الكبيرة ومحاسبة الفاسدين في اجهزة الدولة والمؤسسات الاقتصادية. هذا الخطر الذي تجسّد لدى الكرملين في بروز كتلة بريماكوف لوجكوف وبرنامجه الانتخابي. خسرت كتلة "الوطن كل روسيا" ما لا يقل عن ثلث مؤيديها من جراء عمليات "القتل الاعلامي" وغسيل الأدمغة والضغوط الادارية. ولكن كتلة "الوحدة" التابعة للكرملين لن تفوز بأكثر من 10 في المئة من الأصوات وفق استطلاعات الرأي العام، اضافة الى احتمال حصول "اتحاد قوى اليمن" الذي حظي ايضاً بتأييد بوتين العلني على 7 في المئة. هذا يجعل امكان تشكيل محور تكتيكي يضم الشيوعيين ونواب "الوطن كل روسيا" ويملك ثلثي الأصوات مما يمكنه من فرض تعديل دستوري في مواجهة الحكومة أمراً شبه مستحيل. استفاد الكرملين من الظروف السياسية غير الطبيعية الناتجة عن الحرب الشيشانية وسخر موارد الدولة كلها لضرب قوى الوسط، وأعاد الحياة الى اليمين الراديكالي وخدم مصالح الشيوعيين بطريقة غير مباشرة لأن نتائج الانتخابات البرلمانية لا تهمه الا من منظار نقل السلطة العليا في روسيا الى أيد "أمينة" تحافظ على مكتسبات "العائلة" واتباعها بعد رحيل يلتسن في الربيع المقبل.