تزداد مبيعات الشركات الاميركية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا مع ارتفاع حاجة المنطقة الى خدمات اتصال سلكي ولاسلكي محسّنة. ولا شك في ان هذه المبيعات ستواصل النمو. لكن السؤال يتمحور حول ما اذا كانت هذه الشركات مستعدة للارتفاع الكبير المنتظر في الاتصالات وفي الحاجة الى ادواتها في وقت تتجه حكومات المنطقة نحو تحرير قطاع الاتصالات برمته. وتنشط في المنطقة منذ اعوام طويلة ثلاث شركات اميركية، هي "لوسنت تكنولوجيز" و"موتورولا" و"سبرينت". وحصلت الاولى على عقد بقيمة اربعة بلايين دولار عام 1994، عندما كان اسمها "اي تي أند تي نتورك سوليوشنز"، لتوسيع شبكة الهاتف السعودية وتحديثها وجعلها رقمية. وكان هذا العقد الاكبر في مجال الاتصالات خارج الولاياتالمتحدة. كما حصلت على عقد بقيمة 104 ملايين دولار لادخال نظام "جي اس ام" للهاتف النقال الى السعودية. ولدى الشركة، التي تنتج انظمة اتصالات، انطلاقاً من ولاية نيوجيرسي الاميركية، عقود في مصر ومناطق اخرى من الاقليم. اما "سبرينت"، الاصغر كثيراً من "لوسنت"، فقد بدأت نشاطها في المنطقة في الثمانينات عبر بيع شبكة توصيل المعلومات بواسطة تجزيء الرسالة الواحدة الى اقسام يرسل كل منها على نحو مستقل ثم يعاد تجميعها بعد وصولها، وبيع الخدمات المرتبطة بهذه الشبكة. واكتسبت الشركة ميزة تنافسية في المنطقة العربية بفضل اشتراكها مع شركتي "فرانس تليكوم" الفرنسية و"دويتش تليكوم" الالمانية، في تنفيذ المشاريع المختلطة وتعهدها. ويقول جو شحادة، المدير العام لعمليات "غلوبال وان" في الشرق الاوسط، ان زبائن الشركة في المنطقة يستفيدون من قدرتها على توفير مصدر واحد لسد حاجات الزبائن المختلفين الى نقل الصوت والمعلومات، وذلك بفضل انتشارها في العالم. وينقسم هؤلاء الزبائن الى ثلاث فئات هي الشركات والشركات الناقلة والزبائن المستهلكون. ويضيف شحادة ان في وسع الشركة تدبير حلول مترابطة تشمل القارات كلها، وهو امر في غاية الاهمية بالنسبة الى الشركات التي تشمل انشطتها العالم كله. اضافة الى ذلك، ادخلت الشركة الى المنطقة عدداً من خدمات الاتصال ونقل المعلومات المتقدمة الراقية، بما في ذلك نظام ينقل للمرة الاولى الرسائل الكترونياً، وشبكة اولى لترحيل الصور تلفزيونياً وشبكة انترنت الاولى في الشرق الاوسط. شبكات خاصة وتقدم "غلوبال وان" شبكة خاصة لنقل المعلومات تصل بين المقر الرئيسي لشركة "يونايتد أراب شيبينغ كومباني" شركة الشحن العربية المتحدة ومكاتب الشركة الاقليمية وفروعها وعملائها، وهي اكبر شركة شحن في الشرق الاوسط. ووافقت "غلوبال وان" اخيراً على ربط المصارف الاردنية بالشبكة الدولية الخاصة بالصفقات المالية التي تتبادلها المصارف، اي شبكة سويفت جمعية اصحاب الصفقات المالية التي تتبادلها المصارف في العالم كله التي تتخذ من بلجيكا مقراً لها. وقال شحادة لپ"الحياة": "لا اعرف اي شركة اخرى لديها القدرة على تقديم هذا العدد الكبير من الخدمات". واضاف ان "غلوبال وان" هي اكبر مقدم لخدمة انترنت في المنطقة وتتولى تنفيذ الاعمال التي يتطلبها الارتباط بالشبكة. وذكر ان "غلوبال وان" "تساهم في انشطة شركات الهاتف كافة في المنطقة، كلياً او جزئياً". وكان شحادة يتحدث من مقر الشركة الاقليمي في دبي. وافاد ان شركته عقدت صفقات اخيراً في مصر والكويت ولبنان تتناول الارتباط بانترنت. كما اعلنت في ايار مايو الماضي عن عقد مع "اتصالات المغرب" لتركيب واحد من اكبر "الابواب" الدولية للدخول الى رحاب انترنت في افريقيا وذلك في مدينة الرباط. تحول درامي ويتوقع متتبعو شؤون الاتصالات ان يشهد هذا القطاع في المنطقة تحولاً درامياً في السنوات المقبلة. وبدأ بعض الدول العربية اتخاذ الخطوات اللازمة لتحرير هذا القطاع. ويقول محسن خليل، الرئيس السابق للمكتب المكلف شؤون الاتصالات في مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي: "في تصوّري ان دول المنطقة كافة ستحذو حذو الدول الكبرى في اقاليم المنطقة العربية كلها اي السعودية في اقليم الخليج ومصر في اقليم الشرق الادنى والمغرب في اقليم شمال افريقيا، وهي الدول التي تتبنى برامج اصلاح لقطاع الاتصالات. وسنشهد تسارعاً في عملية التحرير والاصلاح على نحو يتيح عدداً كبيراً من الفرص الاستثمارية الاضافية في مجال الاتصالات كافة". ويقدر البنك الدولي ان منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ستحتاج الى استثمار بين خمسة وثمانية بلايين دولار سنوياً في قطاع الاتصالات لتوصل هذا القطاع الى المستويات المطلوبة للتنافس في الاقتصاد العالمي. وفي تقدير اتحاد الاتصالات الدولي ان في منطقة الشرق الاوسط 3.6 خط هاتفي لكل مئة نسمة، وهي نسبة تقل كثيراً عن المطلوب لتلبية الطلب المتزايد على خدمات الاتصالات في المنطقة. ومعلوم ان هذا الطلب حفز التوسع الكبير في توفير خدمات الهاتف النقال، وهي الخدمات التي يستفيد منها حالياً 2.1 مليون نسمة في المنطقة يزدادون ضعفين كل ثلاث سنوات، ما يعني سوقاً مربحة لشركات الاتصالات الاجنبية. ويمكن الشركات التي تستفيد من الاقمار الاصطناعية زيادة هؤلاء الزبائن على نحو كبير جداً، اذا شاءت، وان تجني ارباحاً كبيرة. وتخلص دراسة، قامت بها وزارة التجارة الاميركية مع شركات في قطاع الاتصالات، الى ان هذه الشركات ستجد اكبر الفرص السانحة في مجال تكنولوجيا اللاسلكي، في آسيا واميركا اللاتينية. لكن التقرير تكهن ايضاً بأن السوق في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ستتوسع على نحو لا يستهان به، اذ سيزداد عدد المستفيدين من الهاتف النقال من اربعة ملايين نسمة عام 1997 الى 38 مليوناً نسمة سنة 2002. وربما وصل هذا الرقم الى 56 مليون نسمة اذا كانت الظروف ملائمة. اتفاق ويبدو ان العاملين في قطاع الاتصالات يتفقون مع هذه التكهنات. وكان هارون سارين، رئيس شركة "ايرتوش كوميونيكيشنز" الاميركية وكبير المنظمين فيها، قال في آذار مارس الماضي، وبعدما مُنحت مجموعة، كانت شركته على رأسها، عقداً بقيمة 536 مليون دولار لانشاء شبكة هاتف نقال في مصر، ان في مصر سوقاً ضخمة للهاتف النقال نظراً الى ان عدد المستفيدين من هذه الخدمة لا يتجاوز حالياً نحو 90 الف نسمة في حين ان عدد السكان يقدر بپ62 مليون نسمة. وهناك نحو 7.1 مليون شخص ينتظرون تزويدهم خدمة هاتف عادية. وفي المغرب 5.4 خط هاتفي فقط لكل مئة نسمة، فيما يبلغ عدد السكان 27 مليوناً، ما يدفع الشركات الاميركية الى ابداء اهتمام كبير بنية المغرب استدراج عروض لتشغيل نظام "جي اس ام" للهاتف النقال. وتدرك الشركات الاميركية انها ليست وحدها في ميدان السباق نحو الهيمنة على اسواق الاتصالات خارج الولاياتالمتحدة. واللافت ان نظام "جي اس ام" مرغوب في الاسواق خارج الولاياتالمتحدة. وتعترف دراسة وزارة التجارة الاميركية بهذه الحقيقة، وتخلص الى ان هذا النظام سيستولي على 60 في المئة من السوق العالمية بحلول سنة 2002. وعلى رغم ان الشركات الاميركية، مثل "موتورولا"، تنتج اجهزة "جي اس ام"، يتوقع ان تستفيد شركات مثل "اريكسون" السويدية "و"نوكيا" "الفنلندية" و"دايوو" الكورية من التنافس على حصص السوق العالمية بسبب هيمنة نظامي "سي دي ام اي" و"تي دي ام اي" على السوق الاميركية. قلق وتبدي الشركات الاميركية قلقاً من طريقة توزيع الموجات في اوروبا وآسيا، وترى انها غير منصفة وتلحق ضرراً بتنافسيتها. اضافة الى ذلك لم تدخل الشركات الاميركية بعض الاسواق غير الاميركية الا منذ فترة قصيرة نسبياً، ولهذا تفتقر الى الروابط القديمة الراسخة مع الشركات المحلية المنافسة. وتتطلع هذه الشركات الى الحكومة الاميركية لتشد ازرها، في وقت تبدي الحكومة استعدادها للمساعدة باعتبار صادرات التكنولوجيا الراقية حاسمة الاهمية في المساهمة في سد العجز التجاري الاميركي الضخم. ويضغط الاميركيون الذين يفاوضون في الشأن التجاري، والذين ينظمون شؤون قطاع الاتصالات، لكي تحرر الدول الاجنبية سوق الاتصالات فيها. وتستخدم الحكومة الاميركية ادوات اخرى منها تمويل التجارة بالتكنولوجيا المتطورة وارسال البعثات التجارية الى مختلف دول العالم. وشهد العام الماضي قيام الادارة الاميركية بارسال بعثتها التجارية الثانية المكلفة شؤون التكنولوجيا الراقية، الى الشرق الاوسط. وحصرت البعثة اهتمامها بالاتصالات وضمت ممثلين عن شركات "لوسنت تكنولوجيز" و"موتورولا" و"نورتل" و"كالكوم" و"جي تي اي تليكوم" و"ساوث وسترن بل" و"ستارتك". وتعتبر منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا آخر منطقة في العالم تتحرك باتجاه تحرير قطاع الاتصالات من الاحتكار، ما يعني تبلور فرص سانحة امام الشركات المهتمة بالاتصالات في العالم. وينصح البنك الدولي الدول العربية بالسعي الى الارتباط بشركاء استراتيجيين، ويقدم المشورة للحكومات العربية بخصوص رسم استراتيجياتها في مجال الاتصالات. وتتناول فكرة الشريك الاستراتيجي ان يساهم هذا الشريك بالمال والمعرفة والخبرة ليتسنى للحكومة توجيه اهتمامها، في السنوات القليلة الاولى من التحرير، على المتطلبات الخاصة لتحسين توسيع شبكة الاتصالات وتحسين مستوى ادارة قطاع الاتصالات. ويستند ذلك كله الى المبدأ القائل بأن هذه التحسينات الكبيرة ستحسن بدورها قيمة شركات الاتصالات. وعندما تطرح الحكومات اسهم هذه الشركات في السوق العامة ستعود عليها فوائد وعائدات اكبر. لكن خليل يلفت الى ان اختيار شريك استراتيجي ليس امراً سهلاً لان قطاع الاتصالات يشهد اضطراباً وفوضى، وتفتقر الشركات الكبيرة فيه الى السيولة التي كانت متوافرة بكميات كبيرة مطلع التسعينات عندما شهد العالم عمليات التخصيص الكبرى الاولى التي تناولت شركات الاتصالات، وعندما سارعت الشركات الكبيرة الى ان تكون شريكاً استراتيجياً في الاسواق الناشئة. اما الآن فشركات الاتصالات تعود الى قواعدها بغية حماية حصصها في الاسواق المحلية. واذا ذهبت احداها الى السوق الدولية فهي تميل نحو التدقيق في عمليات استدراج العروض لترى ما اذا كانت تعني استثمارات جيدة بالفعل، وما اذا كانت تتلاءم مع استراتيجيتها الدولية.