اكدت جميع خطط التنمية السعودية على اهمية مشاركة المرأة "مشاركة فعالة" في التنمية وزيادة مجالات العمل المتاحة لها و"تهيئة السبل التي تدعم مشاركتها". واشارت وثيقة خطة التنمية السادسة 1995 - 2000 الى ان متوسط معدلات النمو السنوية المتحققة بين 1990 و1994 للملتحقين بالتعليم الثانوي بلغت 5.4 في المئة للطلاب مقابل 11 في المئة للطالبات، كما ان متوسط معدلات النمو السنوية للمستجدين في هذه المرحلة بلغت 5.9 في المئة للطلاب في حين بلغت 11.8 في المئة للطالبات. غير ان هذه الارقام لا تعكس حجم مساهمة المرأة السعودية في العمل الخاص، اذ تشير الاحصاءات الى ان عدد السجلات التجارية النسائية لا يزيد عن 14 الفاً في جدة والرياض. ويعود إحجام المرأة السعودية عن اقتحام مجال العمل الخاص الى اسباب عدة يعود بعضها الى الانظمة، وبعضها الى البيئة الاجتماعية. وعلى رغم ذلك تنظر سيدات الاعمال الى المستقبل بتفاؤل ويترقبن صدور الانظمة والقوانين الجديدة الخاصة بالاستثمار والكفيل علها ترفع العقبات التي اعترضت طريقهن خلال الفترة الماضية. "الحياة" استطلعت آراء بعض سيدات الاعمال والاقتصاديات السعوديات حول "رؤية سيدات الاعمال المرحلة المقبلة" من خلال مجموعة من المحاور شاركت فيها الدكتورة نورة عبدالرحمن اليوسف وكيلة قسم الاقتصاد في جامعة الملك سعود، ومضاوي عبدالعزيز القنيعير سيدة اعمال وصاحبة مجموعة "النصوح" للتجارة، وامل محمد زاهد سيدة اعمال وصاحبة مؤسسة "سيكاس" للتجارة، ورفاه الخطيب سيدة اعمال ونائب المدير العام لمؤسسة "عالم رام" للانترنت، وأمل حمد العليان المحاضرة في قسم الاقتصاد في جامعة الملك سعود. المحور الاول الذي طرحته "الحياة" كان حول اسباب انحسار الدور النسائي الاستثماري. عقبات وانظمة غير واضحة - أمل زاهد نعترف بأن مشاركة المرأة السعودية في مجال العمل الخاص لا تزال اقل من طموحاتنا والسبب ليس المرأة ولكن ما يحيط بها من عوائق. يلومون المرأة وهي المهضوم حقها. والغريب انه لا يوجد في القوانين ما يمنع من عمل المرأة، ولكن عند الدخول في التفاصيل نواجه عقبات كثيرة في الاستقدام واعطاء التصاريح بالدخول في انشطة معينة مثل مقاهي الانترنت فتلجأ بعض النساء الى التحايل على اللوائح والقوانين ويفتحن محلات التجميل ومقاهي الانترنت تحت مسميات مختلفة مثل المشاغل ودور الازياء. سمحوا لي بفتح مؤسسة تجارية نسائية ولم يسمحو باستقدام عمالة نسائية تعمل في المؤسسة. "أنا أريد أسير بطريقة سليمة واجد نفسي مجبرة على التحايل". كما سمحت لي الدولة بالانتساب الى الغرفة التجارية وتسديد كل الرسوم ومع ذلك لا يحق لي الذهاب اليها وأشعر ان بعض الموظفين يستنكرون اتصالي بهم لمعرفة معلومات كأنهم لا يتقبلون فكرة عمل المرأة. - مضاوي القنيعير: المرأة لم تحجم عن العمل الخاص بإرادتها لكن الظروف الاجتماعية والنظرة الخاطئة الى جانب اللوائح والقوانين، فالمرأة غائبة عن الساحة ولا يحق لها دخول الوزارات والجهات الحكومية والغرف التجارية، ومطلوب منها دائماً ان يكون لها وكيل، يحد من قدرتها على ممارسة نشاطها التجاري بصورة طبيعية، وهناك نساء اتهمن بالتستر من جراء شرط الوكيل من دون ان يدرين. الانظمة ليست واضحة، ومعظم النساء لا يملكن فكرة واضحة عن الاستثمار ما ساعد على فتح المجال لاستغلال اسم المرأة ولتصبح متسترة من دون ان تدري. ولو كانت الانظمة واضحة ولدينا فرع نسائي في الغرف التجارية لتزايد عدد سيدات الاعمال الحقيقيات عن علم وليس عن جهل. اندماج المؤسسات النسائية "الحياة": كيف تتوقعن اثر القوانين الجديدة على النشاط الاستثماري النسائي؟ الدكتورة نورة اليوسف: الانفتاح الذي يمر فيه العالم الآن انفتاح تجاري على الاقتصادات الاخرى، ودخول رؤوس الاموال الاجنبية معناه وجود ضغوط على المرأة للمشاركة بفاعلية اكبر، ولكن لا بد من وجود قوانين تضمن لها ذلك خصوصاً ان الدولة لم تقصر في حق المرأة وعلّمتها وأعطتها اعلى الشهادات، واستثمرت في تعليمها وفتحت لها الجامعات. والمرأة السعودية تتميز بدخولها مجال الاعمال الخاصة مسلحة بالعلم على عكس بعض البلدان الاخرى التي لم تحصل المرأة فيها على قدر كاف من التعليم، والمرأة السعودية لا تخشى من المنافسة الخارجية لانها ستستفيد من القادمين وخبرتهم. واعتقد ان المنافسة ستؤدي الى قيام اتحادات او اندماجات بين المؤسسات والمنشآت النسائية لمواجهة الشركات المتوقع قدومها مع تطبيق القوانين الجديدة. واتمنى ان تكون الغرف التجارية والقوانين الجديدة مستعدة للتكيف مع هذه التطورات النسائية وتقبل المرأة كسيدة اعمال بما يتوافق مع ديننا ومجتمعنا. فالتجارة كانت ملازمة للمرأة العربية في الجزيرة العربية منذ القدم وكانت السيدة خديجة رضي الله عنها سيدة اعمال تتبادل التجارة مع الشام، والاسلام شجع المرأة على العمل وهو الدين الوحيد الذى اعطاها حق الميراث من دون واجب الصرف على الاسرة، وهذا معناه ان اموالها يجب ان تستثمر في مجالات الاستثمار المختلفة كالتجارة والصناعة والعقار والزراعة وغيرها. - رفاه الخطيب: الانفتاح لا بد منه لأن العالم اصبح قرية صغيرة ومن الصعب جداً ان تتخلف اي دولة عن ركب العولمة والانفتاح ولا شك ان الانفتاح على العالم واعطاء تسهيلات لرؤوس الاموال الاجنبية سيجذب جزءاً كبيراً من رؤوس الاموال الاجنبية، واعتقد ان القوانين الجديدة ستراعي مصلحة اهل البلد فكل دولة تأخذ مصلحتها ومصلحة شعبها اولاً، كما ستراعي خصوصياتها والظروف الاجتماعية والثقافية. واقول انه كلما اشتدت المنافسة من الشركات الاجنبية في حال قدومها كان هذا افضل للشركات الوطنية، وليس هناك داع لأن ننظر الى الامور بمنظار المنافسة، بل بمنظار التعاون. فالشركات الاجنبية لديها الخبرة ولدى الشركات الوطنية رؤوس الاموال والاستثمارات الكبيرة، ويمكن ان يحدث التزاوج بينهما. على سبيل لامثال، نجد ان خبرات شركات الكومبيوتر بالانترنت محدودة لحداثة العهد بها ومعظمها يتعامل مع شركات اجنبية للحصول على الخبرة. وعند صدور القوانين الجديدة ستزداد هذه العلاقة قوة ما يعود بالنفع على الاقتصاد السعودي. رؤوس اموال مجمدة تنتظر المنافسة - أمل العليان: تشكل القوانين الجديدة عاملاً ايجابياً في تطور الحركة الاقتصادية في السعودية. فمثلاً سيؤدي صدور كل من قانون الاستثمار الأجنبي بما سيتضمنه من تسهيلات لرأس المال الأجنبي والمستثمرين الأجانب وقانون السماح للأجانب بالاستثمار في الأسهم المحلية، الى تدفق رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في الاقتصاد السعودي، بما سيعود بالنفع على هذا الاقتصاد وعلى المستثمر السعودي والأجنبي، وسيؤدي في النهاية الى انعاش الحركة الاقتصادية وزيادة معدل النمو الاقتصادي، كما ان صدور قانون السماح للأجانب بتملك العقار سيؤدي الى انعاش سوق العقار بما سيؤثر ايجاباً في الحركة الاقتصادية عموماً. أما عن الدور المنتظر لسيدة الأعمال السعودية في المرحلة المقبلة فهو محاولة الاستفادة من تدفق رؤوس الأموال الأجنبية الى الداخل من خلال الدخول في مشارع مشتركة منتجة معها والتركيز على استقطاب سيدات الأعمال الأجنبيات والاستفادة من خبرتهن في ادارة الاستثمارات في العديد من المجالات خصوصاً أن رؤوس الأموال الأجنبية التي تملكها سيدات تبحث عن فرصة كهذه للدخول في شراكة مع سيدات الأعمال السعوديات. واتوقع أن يكون لصدور القوانين الجديدة أثر كبير على النشاط الاستثماري النسائي لجهة زيادة حجمه وفعاليته في الاقتصاد. فالسيدات السعوديات، ولقلة خبرتهن في مجال الاستثمار، لديهن تخوف من الاستثمار والمخاطرة بأموالهن ولهذا تبقى تلك الأموال الضخمة مجمدة في المصارف، لذا فالتسهيلات التي ستقدم لرأس المال الأجنبي عند صدور قانون الاستثمار الأجنبي الجديد سيشجع رأس المال الأجنبي على الاستثمار في الدولة من خلال الدخول في مشاريع مشتركة مع رؤوس الأموال الوطنية، ويمكن للسيدات السعوديات المالكات لرؤوس الأموال الاستفادة من ذلك والدخول مع رأس المال الأجنبي في شراكة. فهو يملك الخبرة التي تفتقدها السيدات السعوديات ما سيؤثر ايجاباً في النشاط الاستثماري النسائي - أمل زاهد: لا نخشى المنافسة اذ هناك الآن اجانب يعملون في البلد وينافسوننا بصورة غير رسمية وهذا اصعب لنا. ومع وجود الانظمة سيعملون في العلن وتصبح المنافسة شريفة. سندخل المنافسة ولن ننسحب ونحن قادرات عليها اذا أُزيلت من امامنا العقبات التي تحد من انطلاقنا، وهنا يأتي دور الغرف التجارية في التوعية بالاستثمار حتى لا ننافس انفسنا بل ننافس القادمين من الخارج. ولكن ماذا عن مطالب سيدات الاعمال بالنسبة للانظمة في الفترة المقبلة؟ منطقة صناعية نسائية - مضاوي القنيعير: انا متفائلة جداً بأن الفترة المقبلة ستشهد تحقيق تطلعات سيدات الاعمال للمشاركة بقوة في تنمية الاقتصاد الوطني في كل المجالات. ونأمل من الانظمة الجديدة ان تتيح لنا الدخول في جميع المجالات خصوصاً الصناعية حتى نستطيع ان نوفر فرص عمل للمتخرجات اللواتي يصل عددهن الى الآلاف يجلسن في البيوت بلا عمل. ونستطيع لو اتيحت لنا الفرصة ان نساعد على الاستغناء عن استقدام العمالة الاجنبية. وبحسب معلوماتي فإن 70 في المئة من الارصدة النسائية مجمدة في المصارف، وهذه يمكن استثمارها بشكل مجد في مجالات التنمية. نستطيع ان نقيم مصانع بدلاً من المشاغل ونستطيع شراء المصانع المعروضة للبيع. لهذا أطالب بإنشاء منطقة صناعية نسائية لأن هذا يفتح المجال امام فرص استثمارية نسائية في المنطقة الصناعية نفسها مثل روضات اطفال ومطاعم وفروع للمصارف. كما اريد ان يتاح لي دخول الغرف التجارية للتعرف على الشركات ذات السمعة الحسنة والاخرى ذات السمعة السيئة، والاجتماع مع الوفود النسائية، وهذا سيفتح آفاقاً جديدة للمرأة، ونحن على وشك الانضمام الى منظمة التجارة الدولية لا بد ان يكون كل شيء واضحاً لأننا كنساء سعوديات نحب ان يكون لنا دور في تنمية اقتصاد بلدنا. - أمل زاهد: معظمنا يعمل في بيع الازياء العالمية التي قد لا تتناسب مع اذواقنا وعاداتنا وتقاليدنا، وممكن ان نبدأ في انتاج ملابس نسائية تتماشى معنا. وانا اطمع ان اكون مثل اي بيت ازياء عالمي، هؤلاء بدأوا صغار وكبروا والآن يفرضون علينا اذواقهم وازياءهم بأسعار غالية جداً، عندما يفتح المجال لنا سنتيح المجال لزيادة فرص العمل للايدي العاملة. اذا سمح لنا بالعمل رسميا بطريقة واضحة سنقدم خدمة افضل وستتاح الفرصة للنساء اللواتي يردن ان يعملن وستظهر اجيال اخرى من سيدات الاعمال. - رفاه الخطيب: يجب ألا ننظر الى المشكلة على انها قطاع نسائي في مواجهة قطاع رجالي. ما يطبق على النساء يطبق على الرجال، والجهد الذي يصرف في فصل القطاعين عن بعضهما بعضاً يمكن ان نستفيد منه في أمر مجد للطرفين وايجاد نقاط التقاء بينهما. المطلوب هو تشجيع الاموال النسائية السعودية كما نشجع رؤوس الاموال الاجنبية، اذ توجد مدخرات كبيرة غير مستثمرة بالقدر الكافي ويمكن ان تساعد في التنمية اذا وجدت البيئة الملائمة. - نورة اليوسف: القطاع الخاص ينمو نمواً كبيراً بسبب ضخ رؤوس الاموال الاجنبية التي تحرك الاقتصاد، وعليه تتزايد حركة الطلب على العمالة، واتمنى الا نستمر في استقدام العمالة الاجنبية من شرق آسيا، يمكن ان تقام صناعات كاملة على النساء، الصناعات الدقيقة في اليابان وشرق اسيا تقوم بها النساء، ويمكن ايجاد اقسام نسائية في المصانع، من خلال تدريسي في الجامعة اجد ان الفتاة السعودية لديها القدرة الكبيرة على فهم الاقتصاد والاستثمار بطريقة جيدة، وأفاجأ انكثيراً من الخريجات لا يجدن اعمالاً تتناسب مع قدراتهن ومؤهلاتهن. "الحياة": اذا ما هي ابرز مطالب سيدات الاعمال التي ستساعد في تحقيق هذه الطموحات ؟ - أمل العليان. في ما يتعلق بمطالب سيدات الأعمال بالنسبة للأنظمة والبيئة الخاصة بهن، هناك مطالب عدة اولها الغاء شرط الوكيل الشرعي والسماح للمرأة بأن تتولى بنفسها جميع الاجراءات الخاصة بنشاطها الاستثماري وذلك من خلال افتتاح أقسام نسائية في الجهات ذات العلاقة كوزارة التجارة ووزارة الصناعة والكهرباء والغرف التجارية الصناعية والبلدية وغيرها من الجهات ذات العلاقة، وبهذا تتمكن سيدة الأعمال من انهاء اجراءات مشروعها الاستثماري بنفسها من دون الحاجة لمن ينوب عنها، الى جانب تسهيل الحصول على القروض التجارية من خلال تخفيف الشروط العديدة التي تعيق الراغبات في الاقتراض. كما يجب توفير صالات لتداول الأسهم للسيدات في المصارف السعودية كما هو متاح للرجال، فمن معوقات دخول المرأة مجال الاستثمار في الأسهم هو عدم قدرتها على الاطلاع على الحركة اليومية للأسهم، وتضطر في حال رغبتها الاستثمار في الأسهم الرجوع الى موظفات الاستثمار في فروع السيدات في المصارف، واللواتي تنقص كثيرات منهن الخبرة الكافية لمزاولة هذه الوظيفة بسبب عدم تلقيهن التدريب الكافي ما يجعلهن غير قادرات على توجيه السيدات الراغبات في الاستثمار بالأسهم الى الاستثمار المربح. وينبغي السماح للمرأة بممارسة بعض الأنشطة غير المتاحة لها الآن مثل ممارسة النشاط العقاري. اذ يشترط النظام العقاري أن يتولى عمليات البيع والشراء الرجل فقط ما يعيق استثمار المرأة في هذا المجال. كذلك يمنع النظام فتح مكاتب استشارات اقتصادية ومحاسبية نسائية على رغم وجود أقسام في الجامعات لدراسة الاقتصاد والمحاسبة وتخريج العديد من الفتيات من تلك التخصصات. وتعاني المرأة من صعوبة الحصول على أراض في المدن الصناعية للمستودعات التي يقل رأس مالها عن مليون ريال سعودي فيما نجد أن أغلب استثمارات السيدات تقل عن هذا المبلغ. لذا، فالأمر يتطلب تسهيل الحصول على أراض في المدن الصناعية أو العمل على انشاء مدينة صناعية نسائية ما سيؤدي الى زيادة الاستثمار النسائي في المجال الصناعي. وقد أدت تلك المعوقات الى توجيه رؤوس الأموال النسائية الى مشاريع صغيرة متشابهة منخفضة المخاطر ما أدى بالتالي الى انخفاض الأرباح المحققة أو تحقيق خسائر وبالتالي عدم قدرتهن على الصمود في السوق والخروج منه، واحجامهن عن الاستثمار، وهذه هي أسباب انحسار الدور النسائي الاستثماري. لذا، فالأمر يتطلب مراجعة وتعديل الأنظمة المتعلقة بالاستثمار النسائي لزيادة حجم وفعالية ذلك الاستثمار خصوصاً في المرحلة المقبلة والاقتصاد مقبل على نوع من الانفتاح الاقتصادي.