إتخذت الأزمة السياسية في السودان أبعادا جديدة مساء أمس إذ أعلنت أعلى هيئة في حزب المؤتمر الوطني الحاكم أن الرئيس عمر البشير "خرج من المؤتمر" بقراره حل البرلمان وإعلان حال الطوارئ والذي إعتبرته "إنقلابا على الحزب الحاكم". وشن الامين العام للحزب رئيس البرلمان المنحل الدكتور حسن الترابي هجوما عنيفا على البشير. ووصف الخطوات التي اقدم عليها في تصريحات الى "الحياة" بأنها "إنقلاب عسكري على الدستور وخيانة لعقد الولاء مع الحزب وحركة الإسلام". ورد البشير معتبرا أن قراراته "نالت ترحيب المعارضة ومباركة الجيش والشرطة". تفاصيل ص 5 وظلت الاحوال هادئة في الخرطوم ولم تشهد البلاد أي إعتقالات أو إقامة جبرية حتى مساء أمس. واستمرت الحياة عادية ولم يلاحظ اي ظهور عسكري غير عادي في الشوارع في حين واصلت الاذاعة والتلفزيون الحكوميان بثهما المعتاد. وسادت الاوساط السياسية حال من الترقب لتطورات الاحداث باعتبار أن التطورات ما زالت تترى. وصدرت ردود فعل محدودة من الدول وأطراف المعارضة في الخارج لم تشمل الحزبين الكبيرين. وساد إرتياح شعبي في مصر وقال وزير الخارجية المصري عمرو موسى "نتابع ما يجري في السودان ونحن على إتصال مستمر مع حكومته"، فيما أعربت فرنسا عن اهتمامها بالتطورات وأكدت انها "تراقب انعكاسات اعلان حال الطوارئ في السودان في وقت كان يلاحظ فيه تطور البلاد باتجاه مزيد من الانفتاح السياسي". كما قللت الادارة الاميركية من أهمية الحدث، فيما أعرب مسؤولون في البيت الابيض عن أملهم "في رؤية حل للوضع يقود الى تعزيز جهود إنجاح محادثات السلام تحت رعاية منظمة إيغاد، وحصول تغيير في السياسات السودانية التي تقف عقبة أمام تحسين العلاقات بين البلدين". وكشفت مصادر في وزارة الخارجية أن الوزيرة مادلين أولبرايت أبلغت كبار المسؤولين المصريين خلال زيارتها الاخيرة للقاهرة ان واشنطن تعترف بمصالح مصر الاستراتيجية في السودان، مما يمثل تغييرا في الموقف الاميركي. وقال الناطق باسم مجلس الامن القومي الاميركي مايك هامر ل"الحياة" مساء أمس "على رغم أن هدف البشير يبدو أنه يريد إنتزاع السلطة من الترابي، الا أن من المهم أن نعرف أن البشير والترابي خاضا معارك عدة على السلطة منذ إستيلاء الجبهة الاسلامية على الحكم قبل عشر سنوات. وليس من الواضح بعد نتائج قرارات البشير على العلاقات مع أميركا. هذا الامر سيتضح في الايام المقبلة". وفي الخرطوم باشر الترابي أمس برنامج عمل تميز بالاجتماعات المكثفة في مكتبه في مقر قيادة حزب "المؤتمر الوطني" بعد زيارة قصيرة لمبنى البرلمان. وقال إثرها: "منعنا من ممارسة عملنا الدستوري"، الا أنه لم يخرج من المجلس كما أن منزله الذي أمته جموع من المؤيدين لم يخضع لحراسة جديدة. وأعلن الترابي ل"الحياة" في إتصال أجرته معه من لندن: "سنتخذ الاجراءات السياسية النظامية التي تراها أجهزة المؤتمر شرعية، وان عُوُّق ذلك بالقوة الباغية فستعمل كل القوى الشعبية لحركة الانقاذ في السودان من أجل تقويم الردة الطغيانية وإقالة الغدر انتصاراً لأمانة الدين أو صبراً وجهاداً". أما البشير فدافع في مؤتمر صحافي عن قراره وشكا بشدة من عدم قدرته على ممارسة صلاحياته والحد منها. وقال: "كنا كالمركب وسط العواصف الهوجاء. وما بالك ان كانت هذه العواصف في مستوى الموج الأميركي. كان هناك رئيسان في مركب واحد حتى كادت تغرق بهما". وتحدث عن التهديدات الأميركية التي "وصلت الى درجة دعم المتمردين". ووجه إنتقادات حادة ل"هيئة قيادة المؤتمر الوطني" وقال إنه يعتزم إحداث تغيير فيها. وعقدت الهيئة وهي أعلى مراكز القرار في الحزب الحاكم إجتماعا مساء أمس برئاسة الترابي ناقش "ما أعلنه الاخ الرئيس من إجراءات وقرارات تمت بصورة فردية". وتغيب البشير ونائباه علي عثمان محمد طه وجورج كونغور ووزير الاعلام غازي صلاح الدين عن الاجتماع فيما حضره عدد من الوزراء. وقال عضو الهيئة مسؤول الشؤون التنظيمية في المؤتمر السيد محمد الحسن الامين ل"الحياة" إن الهيئة "إعتبرت قرارات الرئيس إعلانا منه ومن أعضاء في المؤتمر لخروجهم من الحزب والانقلاب عليه بقرارات أدت الى حل البرلمان الذي يتمتع فيه المؤتمر بغالبية كاسحة، وكذلك بإعلان حال الطوارئ وهو أمر لا يتماشى مع الحريات وظروف الانفتاح السياسي الراهنة، وكذلك جمد بعض نصوص الدستور من دون أن يخوله الدستور هذه الصلاحيات". وأوضح الامين أن "المؤتمر والجهاز التنفيذي وصلا الى نقطة إفتراق على رغم جهود تبذل حاليا للاصلاح بين قيادتي الجهاز التنفيذي والمؤتمر". وزاد "سينجم عن هذه المفارقة خروج عدد من الوزراء من الحكومة بإعتبار أن الرئيس وحكومته لم يعودا ملتزمين العمل تحت مظلة المؤتمر". ووزاد أن بيانا سيصدر في وقت لاحق يوضح موقف قيادة الحزب. وأضاف "وعلي رغم ما ستحدثه هذه القرارات من أثر لكن الهيئة رأت إنها ضرورة بعد شد وجذب شديدين أثرا سلبا على قواعد المؤتمر". وشدد في إجابة على سؤال على أن "مسيرة المؤتمر مستمرة في العمل السياسي وقيادة قواعده خلف القواعد والمبادئ والاهداف التي ارساها"، لكنه رفض القول بأن المؤتمر ينتقل بذلك عمليا الى صفوف المعارضة. وقال إن "القاعدة التي تستند اليها حكومة الانقاذ هي قاعدتنا".