} أصدرت مؤسسة "مراقبة حقوق الانسان" Human Rights Watch ومركزها في نيويورك، تقريرها السنوي عن حالة اوضاع حقوق الانسان في العالم. ونشرت "الحياة" امس نص التقرير الوارد عن مواقف اسرائيل من حقوق الانسان الفلسطيني. وتنشر اليوم عن وضع حقوق الانسان في العراق ومناطق السلطة الفلسطينية. ظلت الحكومة العراقية، بقيادة الرئيس صدام حسين، تتولى مقاليد الحكم في معظم انحاء البلاد، باستثناء المحافظات الشمالية الثلاث دهوك واربيل والسليمانية، وبعض البلدات والقرى في محافظتي كركوك ونينوى. وتواترت انباء من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة عن اعدام سجناء بشكل جماعي دون محاكمة. وادى اغتيال احد رجال الدين الشيعة البارزين في شباط فبراير 1999، على ايدي الحكومة او بأوامر منها فيما يبدو الى اندلاع مصادمات واسعة النطاق بين المتظاهرين وقوات الامن في بغداد وكثير من مدن الجنوب. كما استمر على مدى الاشهر التالية ورود انباء عن وقوع مزيد من الاضطرابات. وذكرت الانباء ان عمليات اعادة التوطين القسرية استمرت في مناطق مختلفة، ولا سيما في المنطقة الغنية بالنفط حول كركوك حيث يقيم كثير من الاكراد والتركمانيين، ووردت انباء عن تدمير منازل على سبيل العقاب في بغداد وغيرها. وفي المحافظات الشمالية ذات الادارة الذاتية، استمر التنافس والصراع بين "الحزب الديموقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني"، لم تتجدد الاشتباكات المسلحة بين ميليشيات هذين الفصيلين، في اعقاب اتفاق الهدنة الذي توصل اليه الحزبان من خلال مفاوضاتهما في العاصمة الاميركية واشنطن، في ايلول سبتمبر 1998، ولكن لم تُنفذ البنود الخاصة بتقاسم عائدات رسوم الحدود وبترتيبات اجراء انتخابات جديدة للبرلمان الاقليمي، وذلك بالرغم من عقد اجتماعات اخرى على مستوى رفيع بين الحزبين في واشنطن، في كانون الثاني يناير ثم في حزيران يونيو 1999. ودخل الحظر الذي يفرضه مجلس الامن الدولي على صادرات وواردات العراق عامه العاشر في آب اغسطس 1999، وما برح الجدل قائماً حول عدم امتثال العراق بشكل كامل لمطالب مجلس الامن فيما يتعلق بنزع الاسلحة العراقية، كما استمر الانقسام الحاد بين الدول الخمس الدائمة العضوية في المجلس بشأن الخطوات الواجب اتخاذها لضمان الامتثال الكامل ولمواجهة الازمة الانسانية المتواصلة، التي ضاعفت من حدتها حالة القحط الشديد في المنطقة. وكان من شأن ارتفاع اسعار النفط في صيف عام 1999 ان يتيح للعراق اخيراً بلوغ بل وتجاوز قيمة كمية النفط المسموح بتصديرها، وهي 5.2 بليون دولار وفقاً لبرنامج "النفط مقابل الغذاء" الذي اقره مجلس الامن بموجب القرار رقم 1153 1998 والذي تم تمديده لفترة ستة اشهر تنتهي في 20 تشرين الثاني نوفمبر، الا ان القيمة الاجمالية لعائدات النفط بمقتضى هذا البرنامج ظلت اقل من الحد المصرّح به. فقد ذكر مكتب برنامج العراق التابع للامم المتحدة انه بحلول 20 ايلول، كان مجلس الامن قد اقرّ عقوداً لتصدير النفط بما قيمته 8 بلايين دولار، من بين العقود التي قُدمت بموجب البرنامج منذ بدايته في مطلع عام 1997 وقيمتها 9.7 بليون دولار، وحصل العراق من ذلك المبلغ على 5.5 بليون دولار تلقى 72 في المئة منه في صورة مواد غذائية. وفي منتصف كانون الاول ديسمبر 1998، شنّت الولاياتالمتحدة وبريطانيا هجوماً جوياً على العراق استمر اربع ليال، وتبعته هجمات شبه يومية على مواقع الدفاع الجوي العراقية في منطقتي الحظر الجوي الجنوبية والشمالية. وفي تشرين الثاني 1998، ذكر "مركز حقوق الانسان"، وهو يتبع "الحزب الشيوعي العراقي" المعارض ومقره لندن، ان السلطات العراقية بقيادة اللواء صباح فرحان الدوري قامت، في اول تشرين الاول اكتوبر 1998، باعدام 119 عراقياً وثلاثة مصريين في سجن ابو غريب بالقرب من بغداد، وقال المركز ان من بين الذين أُعدموا 29 من افراد القوات المسلحة، بالاضافة الى 50 شخصاً سبق ان سُجنوا لاشتراكهم في الانتفاضات التي اندلعت في آذار مارس 1991 عقب حرب الخليج. ومن بين اولئك القتلى، لم تُسلّم سوى جثث ثلاثة من كبار ضباط الجيش الى ذويهم، بينما افادت الانباء ان كثيرين دُفنوا في مقبرة جماعية في منطقة تابعة لبلدية ابو غريب. وجاءت عملية الاعدام الجماعي هذه، على ما يبدو، استمراراً لحملة "تطهير السجون" التي بدأتها الحكومة قبل عام. فقد ذكر المقرر الخاص للامم المتحدة المعني بوضع حقوق الانسان في العراق، في تقريره الى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالاممالمتحدة في شباط 1999، انه تلقى اسماء وبيانات ما يزيد عن 200 سجين أُعدموا في الفترة من تشرين الاول الى كانون الاول 1998، ليصل بذلك مجموع الذين اعدموا منذ اواخر عام 1997 الى نحو 2500 سجين، وتلقت منظمة "مراقبة حقوق الانسان" انباء عن اكثر من 600 معتقل ورد انهم اعدموا خلال الشهور الاربعة الاولى من عام 1999، وتضمنت الانباء اسماء وتواريخ اعدام كثيرين منهم. ولم تتبع الاجراءات القانونية الواجبة، على ما يبدو، في اي من عمليات الاعدام التي تناقلتها الانباء. وفي مساء يوم 19 شباط اغتيل آية الله محمد صادق الصدر، ابرز رجال الدين الشيعة في العراق، بينما كان يستقل سيارته عائداً الى منزله في النجف، وقتل معه في الحادث ابناه مصطفى ومؤمل، وهما ايضاً من كبار مساعديه، بالاضافة الى سائق السيارة. وكانت الحكومة اعترفت بالصدر مرجعاً اعلى للشيعة، في عام 1992، ولكنه في الشهور التي سبقت وفاته بدأ ينأى بنفسه عن مواقف الحكومة خلال خُطب الجمعة، ويحث الناس على اداء الصلوات في حشود جامعة، وهو الامر الذي لا تحبذه. وافادت الانباء انه أمر، في مطلع كانون الاول 1998، بوقف مسيرة الى ضريح الامام الحسين في كربلاء، بعد ان حشدت الحكومة اعداداً كبيرة من قوات الامن حول المدينة تنفيذاً لقرارها بحظر المسيرة. وذكرت مصادر المعارضة العراقية ان محمد حمزة الزبيدي، قائد منطقة وسط الفرات، زار آية الله الصدر في كانون الثاني 1999 وحذره من مغبة الاستمرار في انتقاداته للحكومة. وقالت صحيفة "الاندبندنت" اللندنية ان آية الله الصدر طالب، في خطبته الاخيرة التي القاها يوم 12 شباط وسُجلت على شريط هُرّب خارج العراق، بالافراج عن اكثر من 100 من رجال الدين الشيعة، الذين اعتُقلوا عقب انتفاضة آذار 1991، وظل مصيرهم ومكان وجودهم في طي المجهول. اما صحيفة "الجمهورية" الحكومية الرسمية فوصفت حادث الاغتيال بأنه يأتي في اطار المؤامرات العديدة التي تُحاك ضد العراق، ويمثل محاولة لزعزعة الامن الداخلي، وسارعت بالاعلان عن اعتقال عدد من المشتبه فيهم. وفي 6 نيسان ابريل اصدرت "وكالة الانباء العراقية" الرسمية بياناً موجزاً اعلنت فيه ان اثنين من رجال الدين، هما الشيخ عبدالحسن عباس الكوفي والشيخ علي كاظم حجمان، واثنين من طلاب الحوزة الدينية، هما احمد مصطفى اردبيلي وحيدر علي حسين، اتهموا بارتكاب جريمة الاغتيال واعدموا شنقاً، واضاف البيان قائلاً انه "تم القضاء على عناصر الفتنة"، ولكنه لم يذكر تاريخ الاعدام، ولم يبين ما اذا كانت الاجراءات القضائية الواجبة قد استوفيت. كما ذكر البيان ان الاشخاص الاربعة "اجانب" ولمح الى انهم ايرانيون. واوردت صحيفة "ليبراسيون" الباريسية في عددها الصادر يوم 7 نيسان نبأ نقلته عن صحيفة اسبوعية للمعارضة الشيعية بتاريخ 31 كانون الثاني يشير الى ان احد الاربعة وهو الشيخ الكوفي، قُبض عليه في النجف في 24 كانون الاول 1998 ومن ثم فالأرجح انه كان رهن الاعتقال عندما اغتيل آية الله الصدر. وفي اعقاب مقتل آية الله الصدر تواترت انباء على نطاق واسع عن وقوع مصادمات عنيفة استغرقت اربعة ايام على الاقل، بين المتظاهرين وقوات الامن في المناطق ذات الاكثرية الشيعية المجاورة لبغداد مثل "مدينة الثورة" وفي اغلب المدن الشيعية مثل كربلاء والناصرية والنجف والبصرة، وقتل خلالها عشرات الاشخاص كما قبض على مئات آخرين، ونفت الحكومة هذه الانباء، ولكنها رفضت السماح للصحافيين بزيارة المناطق المذكورة. وفي اواخر ايلول نشر "مركز حقوق الانسان" اسماء 21 شخصاً قائلاً ان جثثهم كانت ضمن عشرات الجثث التي اكتشفت في مقبرة جماعية بالقرب من بلدة الزبير في جنوب البلاد. واضاف المركز ان هؤلاء الاشخاص اعدموا خارج نطاق القضاء بعد اعتقالهم في اعقاب "انتفاضة شعبية" استغرقت عدة ايام في البصرة في منتصف آذار. كما وردت انباء من مصادر المعارضة عن عمليات عقاب جماعي اتخذت شكل تدمير المنازل على سبيل العقاب في القرنة في تشرين الثاني 1988، وفي مدينة الثورة في تموز، وفي القرى التي تسكنها عشيرة الرميض في مطلع آب. ونشرت الحكومة الاميركية في ايلول، صوراً التُقطت من الجو قائلة انها تؤيد ما ذكرته المعارضة من انباء عن ان القوات الحكومية دمرت 160 منزلاً في قرية المسحة حتى سوتها بالارض في 29 حزيران، عقب اندلاع المظاهرات احتجاجاً على عدم تسليم الاغذية والادوية. وترددت ايضاً أنباء عدة عن اعدام بعض ضباط الجيش بسبب ما زعم انها مؤامرات للقيام بانقلاب في كانون الاول 1998، وشباط وآذار 1999. وافادت الانباء بأن عمليات التهجير القسري للاكراد والتركمانيين وغيرهم من الاقليات غير العربية استؤنفت في الشهور الاخيرة من عام 1998، ولا سيما في منطقة انتاج النفط المحيطة بمدينة كركوك شمال البلاد. ففي كانون الاول 1998، قال مسؤولون في حكومة اقليم كردستان، في المنطقة ذات الحكم الذاتي ان نحو 200 ألف كردي ابعدوا من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة منذ عام 1991. وقال مصطفى زيا رئيس تحالف عدة احزاب تركمانية، ان قرابة 5000 من التركمانيين المبعدين يعيشون في ظروف غير آدمية في شمال العراق، بينما فرّ 20 الفاً آخرون بصورة غير قانونية. وادعى بيان صدر عن حكومة اقليم كردستان في 19 تشرين الثاني 1998، ان 35 عائلة أُمرت على مدى الشهرين السابقين بمغادرة حي الشورجة في كركوك، وان الاراضي التي كان يملكها في منطقة طوزخورماتو اكراد وتركمانيون، ممن جردوا من ممتلكاتهم واعيد توطينهم قسراً في جنوبالعراق، قد منحت لعائلات عربية لزراعتها والسكن فيها. وفي 10 آذار بعث جوهر نامق سالم، المتحدث باسم "المجلس الوطني الكردستاني" في اربيل، برسالة الى امين عام الاممالمتحدة كوفي انان، حث فيها الاممالمتحدة على التحقيق في سياسات "التطهير العرقي" التي تنتهجها الحكومة العراقية. وفي اواخر نيسان ذكرت جماعة "الوفاق الوطني العراقي" المعارضة، ان الحكومة ابعدت الى منطقة الحكم الذاتي 400 عائلة كردية وتركمانية من مناطق ازادي، وإسكان، والامام قاسم، والشورجة، ورحيم عوا، والقرية، وبلقار، وصاري كهيا في كركوك. ودخلت العلاقات بين العراق ومجلس الامن مرحلة اخرى من المواجهة في كانون الاول 1998، عندما قدم ريتشارد بتلر، رئيس اللجنة الخاصة التابعة للامم المتحدة المكلفة بنزع اسلحة العراق انسكوم تقريراً الى مجلس الامن قال فيه ان العراق لم يفِ بوعوده السابقة وبالتعاون مع اللجنة. فقد شنت الولاياتالمتحدة بمساعدة المملكة المتحدة، هجمات بالصواريخ والطائرات على مدى اربع ليال ضد مواقع ذات صلة عسكرية في بغداد وغيرها. تم اجلاء مفتشي لجنة "انسكوم" قبل بدء الهجمات، ومنذ ذلك الحين لم تجر علميات تفتيش ميدانية على المواقع التي يشتبه في احتوائها على اسلحة محظورة في العراق. وفي اعقاب الهجوم، بدأت انظمة الدفاع الجوي العراقي تتحدى الدوريات الاميركية والبريطانية فيما يسمى منطقتا "الحظر الجوي" شمال خط العرض 36ْ وجنوب خط العرض 32ْ، وقالت الولاياتالمتحدة وبريطانيا ان طائراتهما الحربية كانت ترد بضرب تلك المواقع عند تعرضها لهجمات، وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلاً عن مصادر عسكرية اميركية، انه بحلول 3 تشرين الاول اطلق زهاء 160 صاروخاً وقذيفة موجهة بالليزر على 385 هدفاً عراقياً. وفي 17 ايلول، قال قائد القوات الجوية العراقية ان الغارات اسفرت عن مقتل 187 مدنياً وجرح 494 آخرين، غير ان وكالة انباء اسوشيتدس برس، في تقرير لها بتاريخ 25 ايلول نقلت عن متحدث عسكري اميركي قوله بأن الخسائر في صفوف المدنيين كانت "شبه منعدمة وان معظم ما ذكره العراقيون لم يحدث". وكان لبرنامج "النفط مقابل الغذاء" الذي تم توسيع نطاقه، بعض الآثار الايجابية على الازمة الانسانية الناجمة عن الحظر الذي يفرضه مجلس الامن وعن مساعي الحكومة العراقية لابعاد آثار الحظر عنها والقائه على عاتق السكان المدنيين، ولكن الوضع الانساني عموماً ظل مروعاً، ففي منتصف تشرين الثاني 1998، قال بينون سيفان، المدير التنفيذي لمكتب برنامج العراق في الاممالمتحدة ان "اقصى ما يمكنني قوله هو انه في عدد من المجالات الرئيسية استطاع البرنامج ان يحول دون تفاقم الوضع، وفي مجالات اخرى ادى البرنامج الى التقليل من معدل التدهور". اما "صندوق رعاية الامومة والطفولة التابع للامم المتحدة" اليونيسيف فقد خلص، من خلال مقارنة الوضع في الفترة من عام 1984 الى الى عام 1989 والفترة من عام 1994 الى عام 1999 في مناطق وسط وجنوبالعراق الخاضعة لسيطرة الحكومة الى ان معدل وفيات الاطفال الرضّع زاد من 47 الى 108 حالات وفاة في كل 1000 مولود، بينما زاد معدل وفيات الاطفال دون سن الخامسة من 56 الى 131 حالة وفاة في كل 1000 طفل، وهو تزايد سريع ومطرد لمعدل وفيات الرضع والاطفال لم يسبق له مثيل تقريباً. وعلى النقيض من ذلك، اشار تقرير اليونيسيف الى انخفاض معدل وفيات الاطفال في المحافظات الشمالية ذات الحكم الذاتي. ولاحظ تقرير امين عام الاممالمتحدة الذي يغطي فترة ثلاثة شهور تنتهي في 31 تموز ان معدل انتشار امراض سوء التغذية المزمنة بين الاطفال والرضّع بدأ في الانخفاض للمرة الاولى في ذلك الجزء من البلاد الخاضع لسيطرة الحكومة. وانتقد الامين العام و"لجنة الشؤون الانسانية" التي شكلها مجلس الامن تعليق طلبات العراق لاستيراد المواد وقطع الغيار اللازمة لقطاعات الطاقة الكهربائية والمياه والصرف الصحي وانتاج النفط بموجب برنامج "النفط مقابل الغذاء" وانتقدت اللجنة الحكومية العراقية بسبب "الاختناقات التي لا مبرر لها" والتي تحول دون توزيع المواد غير الغذائية، ولا سيما الامدادات الطبية، على محتاجيها. كما وجه الامين العام في عدة تقارير انتقادات للسلطات العراقية، بسبب التقاعس عن طلب اغذية خاصة مُوصى بها للرضع والاطفال والامهات المرضعات، وبسبب تشجيع السكان على استخدام الرضاعة الصناعية على خلاف ما يُنصح به كل خبراء الصحة العامة في العالم تقريباً، وكذلك بسبب استخدام الاعتمادات الطبية لاستيراد اجهزة غالية ومعقدة لا تستخدم الا على نطاق محدود بدلاً من استيراد الادوية والامدادات الطبية التي يحتاجها عموم السكان.