هل تنحصر هموم الاشتراكية الدولية وهي تتطلع الى نشاطاتها في القرن الحادي والعشرين بتحديد جديد تعتمده للعدالة الاجتماعية والاقتصاد الليبرالي أياً تكن الخلافات بين الأحزاب والحكومات الاشتراكية، اوروبياً على الأخص، حول هذين المفهومين؟ في الحادي والعشرين من شهر تشرين الثاني نوفمبر الفائت، اجتمع في فلورنسا السادة ليونيل جوسبان رئيس الحكومة الفرنسية وطوني بلير رئيس الحكومة البريطانية وغيرهارد شرودر المستشار الالماني وماسيمو داليما رئيس الحكومة الايطالية، وفرناندو كاردوزو رئيس البرازيل… ولكن… مع من؟ غير بيل كلينتون، الرئيس الاميركي الخارج من صفوف الحزب الديموقراطي وذلك كي يتباحثوا معاً في امور القرن الحادي والعشرين وفي النهج الاشتراكي الذي يمكن ان يوفق بين حكوماتهم وأحزابهم لمواجهة احزاب اليمين في العالم والنظم الرأسمالية التي وإن تطورت ديموقراطياً وليبرالياً واجتماعياً، فإنها تظل تمثل خصومات تقليدية لليسار في العالم، وينبغي العمل والتضامن من اجل منافستها شعبياً وانتخابياً بغية التغلب عليها والحلول في الحكم مكانها حيث تحكم. وقبل الحادي والعشرين من الشهر الماضي اجتمعت الاشتراكية الدولية، ما بين الثامن والحادي عشر من الشهر نفسه في منطقة باريس - لا ديفانس، وانتخبت رئيس الحكومة البرتغالية الاشتراكي انطونيو غوترس اميناً عاماً جديداً لها خلفاً للأمين العام السابق، السيد بيار موروا رئيس اول حكومة اشتراكية في عهد الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران، وعمدة مدينة ليل حالياً. والأمين العام الجديد للاشتراكية الدولية، الذي تحدث عن برنامجه الطموح للقرن المقبل، أعلن عن قناعته بوجوب ايجاد مُحاور للاشتراكية الدولية في الولاياتالمتحدة الاميركية. وقال إن الحزب الديموقراطي الاميركي وان لم يكن اشتراكياً، فإنه من حيث ارتباطه بالديموقراطية والليبرالية الاقتصادية يمكن ان يكون الشريك الأنسب لفتح الحوار معه، وبحث احتمالات التقارب والتعاون بينه وبين مئة وثلاثة وأربعين حزباً اشتراكياً يمثلون حوالى مئة من بلدان العالم، وقد حضر من قبلهم الى المؤتمر الحادي والعشرين للاشتراكية الدولية في فرنسا ألف ومئتا مندوب. ولئن قيل ان مؤتمر الاشتراكية الدولية قد انعقد في موازاة الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة لسقوط جدار برلين، في اعقاب انحلال الاتحاد السوفياتي والأنظمة الشيوعية التي كانت تحكم بلدان اوروبا الشرقية، حيث غيّرت الاحزاب الشيوعية السابقة اسماءها الى اشتراكية اجتماعية ديموقراطية وسواها، وسارعت الى الانضمام الى الاشتراكية الدولية بعدما كانت تتهمها بالتقصير في مكافحة الامبريالية الاميركية، او في التجاوب مع البروليتاريا، علاوة على عدم التزامها بالصراعات الطبقية وعدم اخذها عقائدياً بالمادية التاريخية او الديالكتيكية المادية، لئن قيل ذلك بمناسبة مؤتمر الاشتراكية الدولية، واستلزم القول التوقف عند ابتعاد معظم الاحزاب الاشتراكية المعاصرة عن مبدأ الالحاد واعلان قسم كبير منها تمسكه بالايمان والقيم الروحية السماوية - كما هي حال طوني بلير في بريطانيا وانطونيو غوترس نفسه الأمين العام الجديد للحركة، فان حرص الأحزاب الاشتراكية على التعاون مع الحزب الديموقراطي الاميركي والذي بدأ سريعاً بلقاء فلورنس بين القادة الرسميين الستة، دون الحاجة في هذه المرحلة لمشاركة انطونيو غوترس باللقاء، هذا الحرص يكشف ان الانفتاح على الولاياتالمتحدة، كان قد أعد التخطيط له، والتحضير لاعلانه، قبل مؤتمر باريس الاخير، فجاءت مشاركة الرئيس كلينتون العاجلة تثبت ما بين السياسة الاميركية العريضة، وسياسات الحكومات الست الاخرى التي حضرت لقاء فلورنس من تفاهم وتحالف وتنسيق في القضايا الدولية الكبرى، ستطبع السنوات القادمة عالمياً، حتى ولو تخلف عدد من الاحزاب الاشتراكية الصغيرة نسبياً، في وجه احزاب اوروبا الاشتراكية عن الاقتناع بأن الديموقراطيين الاميركان يفكرون او يعملون اشتراكياً، على اساس ما نادت به الاحزاب الاشتراكية خلال نصف القرن الاخير، على الاقل، من ضرورة معارضة الهيمنة الاميركية على العالم، ومقاومة ما بقيت تسمّيه الامبريالية الاميركية او الاستعمار الحديث. على أنه يبقى من المهم معرفة أي مدى من الانفتاح الاجتماعي او الاقتصادي ستطل به سياسة الديموقراطيين الاميركان على العالم الخارجي بعدما توسّمت الاحزاب الاشتراكية الاوروبية فيها ذلك، ومع اغفال أصوات الاحزاب الاشتراكية الاخرى، حتى الآن، سواء منها أحزاب بلدان أميركا الجنوبية أو أحزاب آسيا وافريقيا، او الاحزاب الاشتراكية العربية اعضاء الاشتراكية الدولية، تخصيصاً، علماً بأن الحزب الاشتراكي الاسرائيلي أي حزب العمل، مؤيد سلفاً للانفتاح على الولاياتالمتحدة الاميركية، ورئيس الحكومة الاسرائيلية إيهود باراك، قد انتخب نائباً لرئيس الاشتراكية الدولية في المؤتمر السنوي الحادي والعشرين الاخير. والاشتراكية الدولية تواجه القرن المقبل وأمامها تحديان كبيران: الأول: مدى تفاهم احزابها الاعضاء حول افكار الاصلاح والتغيير والتقدم حتى تستطيع استقطاب الرأي العام حول برامجها. والثاني: معرفة ردات فعل احزاب اليمين، في العالم، المتطور منها، والأقل تطوراً، من اجل التوافق مع ضرورات العلم والتكنولوجيا والعولمة في النهوض بالمجتمعات البشرية، لا سيما ان انحسار العقائديات السياسية الكبرى، يُرافقه انحسار في انضواء المواطنين المناصرين للأحزاب، وفي استمرار ولائهم. * كاتب لبناني مقيم في باريس.