بعد مرور أربع سنوات على اغتيال رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق اسحق رابين على يد يهودي وسط تل أبيب، ينتظر الاسرائيليون بقلق قرار رئيس حكومتهم الحالي ايهود باراك في شأن الظهور أو عدم الظهور أمام الالاف في احتفال تأبيني في ذكرى الاغتيال، وسط توصيات جهاز الاستخبارات الاسرائيلي الداخلي شاباك له بعدم الظهور والاكتفاء بالقاء خطابه من نافذة مصفحة ضد الرصاص. باراك رفض اقتراحات مرؤوسيه في "شاباك" للحفاظ على "سلامته" من متطرف يهودي آخر، وكان رده على هذه الاقتراحات التي تراوحت بين ارتداء سترة واقية والتحدث من غرفة مغلقة: "أنا لست البابا". لكن قرار باراك الذي أرجأ اتخاذه حتى اللحظة ما قبل الاخيرة يترتب عليه الكثير في نظر الاسرائيليين الذين أقنعوا أنفسهم طوال السنوات الماضية بأن ما حدث في "ميدان ملوك اسرائيل" وسط تل أبيب كان "خطأ لن يتكرر" ويرون في عدم ظهوره بينهم وأمامهم أن "المجتمع الاسرائيلي يعاني من مشكلة عويصة" ترغم زعيمهم على التحدث معهم "بالريموت" وعبر شاشات ضخمة. المحللون السياسيون رجحوا أن يظهر باراك رغم توصيات "شاباك" الذي يرأسه، لكن السؤال الذي بقي قائماً هو: هل تستند هذه التحذيرات الى معلومات استخبارية محددة أم هي مجرد تحذيرات عامة تأتي في سياق "درهم وقاية خير من قنطار علاج"؟ وربما سعى باراك في اللحظات الاخيرة الى الحصول على رد على هذا السؤال قبل اتخاذ قراره. أجهزة الامن الاسرائيلية خصصت 1500 من عناصرها للانتشار في الميدان الذي يحمل الآن اسم رابين، وطلبت من المشاركين عدم حمل أسلحة نارية معهم والابلاغ عن أي مشتبه به في الساحة، وعززت الاجراءات الامنية كي لا تتهم مجدداً بالتقاعس عن القيام بواجبها كما يجب، كما ورد على لسان إبنة رابين داليا التي ألمحت الى وجود "مؤامرة" ضد والدها رافضة الافصاح عن المتورطين فيها. وأبرز تردد باراك في الظهور أمام مواطنيه عمق الشرخ الذي أحدثته عملية اغتيال رابين في الشارع الاسرائيلي واستمراره حتى اليوم، وأن الاسرائيليين "لم يتعلموا شيئاً مما حدث" كما ورد على لسان أحد المحللين السياسيين الاسرائيليين. وفي خضم تلهف الاسرائيليين لمتابعة تفاصيل ليلة الرابع من تشرين الثاني نوفمبر، ضربتهم "صاعقة" جديدة تمثلت في مقتطفات "سرية" من ملف لجنة "شمغار" التي حققت في عملية قتل رابين نشرت على صفحات "الانترنت" وقرأها الاسرائيليون بفضول وتعجب. المصدر المسرب لهذه المقتطفات مجهول، لكن ما نشر منها واطلعت عليه "الحياة" يشير الى أن "شاباك" ساعد في واقع الامر بحفر قبر رابين بنفسه. نتائج التحقيق السرية، اذا كانت صحيحة، تشير الى أن جهاز الاستخبارات الاسرائيلي أعطى القناة الاولى للتلفزيون الاسرائيلي "سبقاً صحافياً" واقنعها بالذهاب الى مقبرة فيها عدد من أعضاء حركة "ايال" التي اتهمت بالتخطيط والتحريض لاغتيال رابين وهم مقنعون ويؤدون الصلاة وينادون بموت رابين. وكان من بين هؤلاء أحد عناصر "شاباك"، افيشاي رافيف الذي اندس في الحركة ودين بالتآمر لقتل رابين. وبث التلفزيون هذه الصور وشاهدها الالاف قبل أيام من عملية الاغتيال. نتائج التحقيق التي نشرت أمس تقول أن "شاباك" أراد أن يقنع الشارع الاسرائيلي ويحضره لعملية اغتيال وهمية لرابين ينفذها أحد عناصره في اليوم نفسه، وهو رفيف، وذلك لوضع اليمين الاسرائيلي المتطرف في قفص الاتهام وتوريطه. ولهذا صاح بعض عناصر الاجهزة الامنية المحيطين برابين ليلة الاغتيال ولحظة سماع صوت الرصاص: "رصاصة فارغة". لكن العملية الوهمية أصبحت حقيقة واقعة وقام ايغال أمير، زميل رافيف، باطلاق رصاص حي وقتل رابين بعد دقائق من انتهائه من المشاركة في أغنية للسلام.