السوق العقارية في لبنان تعاني ركوداً كبيراً على رغم الآمال التي علقت على اقرار الموازنة العامة لسنة 1999، وما اقر فيها بهدف تنشيط السوق لجهة اطلاق القروض من مؤسسة الاسكان ودفع بدلات الاخلاء والاعمار من صندوق المهجرين. لا تزال سوق العقارات المبنية في لبنان والتي تقدر قيمتها بثمانية بلايين دولار جامدة وتعاني ركوداً منذ نحو اربعة أعوام، ولم تستطع محاولات كثيرة تحريكها، في العهدين السابق والحالي. واذا كانت الحكومة السابقة ترى ان مشكلة السوق العقارية تكمن في رسم التسجيل الذي كانت تبلغ نسبته من قيمة الشقة 5،6 في المئة للبنانيين و5،16 في المئة للاجانب، وسعت الى خفضها مراراً وخصوصاً رسم الاجانب ولم توفق، فان اقرار الحكومة الحالية في موازنتها لسنة 1999 خفضاً كبيراً في نسبة التسجيل وجعلها 5،5 في المئة نسبة موحدة للبنانيين والاجانب، ابقى السوق "على حالها، ولم يتحرك شيء"، بحسب تجار بناء تحدثوا الى "الحياة". فنائب رئيس "جمعية تجار بيروت" المهندس فادي شحرور قال ان "لا شيء يتغير في وضع السوق. والشيء الايجابي الوحيد هو ان المؤسسة العامة للاسكان ستدفع ثلاثة آلاف قرض، وهذه خطوة خجولة لأنها تبيع ثلاثة آلاف شقة من اصل سبعين ألفاً تتفاوت قيمتها بين سبعة بلايين دولار وعشرة بلايين". واعتبر ان "سبب جمود السوق انخفاض سعر الاراضي خصوصاً ان معظم الشقق مبنية على اراض غالية وذات كلفة مرتفعة. فالتجار عالقون لا يبيعون ولا يشترون في انتظار تحرك السوق". وعن خفض نسبة التسجيل قال "انها اسهمت في تسجيل العقارات المبيعة سابقاً واعطت حافزاً على التسجيل وخصوصاً للاجانب وهذا شيء ايجابي". لكن صاحب مشاريع سكنية قال ان "هذا الامر ليس مهماً، والناس لا يشترون شقة ليوفروا خمسمئة دولار في تسجيلها بعد هذا الخفض، بل المشكلة تكمن في ان الناس لا اموال لديهم والعرض اكثر كثيراً من الطلب". وسئل ألم يسهم خفض نسبة التسجيل للاجانب في اندفاعهم لشراء شقق في لبنان؟ اجاب ان "لديهم فكرة ان البلد محروق وان التجار ملهوفون للبيع، فيبحثون عن شقق يشترونها بأسعار محروقة". وشكوى تجار البناء ليست من الوضع المالي الصعب فحسب بل هناك ايضاً اسباب اخرى ترتبط بأمور كثيرة. وقال صاحب شركة كبيرة، شركاؤه اماراتيون، ان "الوضع ليس جيداً لاسباب رئيسية منها: العدد الكبير من تجار البناء الذين دخلوا السوق فجأة ولا خبرة لديهم اضافة الى بنائهم شققاً تجارية دون المواصفات المتبعة، في حين ان من يبني بمواصفات جيدة يتكبد مصاريف غالية ولا يستطيع ان يرد رأس ماله بعدما يضطر الى خفض سعر متر البناء" وقلة السيولة في الاسواق وارتفاع نسبة فوائد القروض السكنية" وعدم اقبال المغتربين والعرب على تملك شقق في لبنان لانهم يتأثرون في شكل كبير بالاخبار السيئة التي تصل اليهم عبر الاعلام، اذ يتصل بي شركائي الاماراتيون خائفين كلما سمعوا تصريحاً خطيراً سائلين "ماذا نفعل؟"، فأجيبهم مطمئناً "ان في البلد حرية في الكلام" والاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على لبنان، اذ يمكن ضربة واحدة ان تخرب موسماً كاملاً". واشار الى ان "حال السوق كانت في العام الماضي افضل من هذا العام الذي لجأنا فيه الى الاعلانات من دون جدوى". اما الخبير المحلف في العقارات وتخمينها جمال شمص فاوضح ان اسباب الركود تعود الى وجود فائض في العقارات المبنية نتج عن مضاربات في السوق. والفائض هذا نشأ عندما حصل تباعد بين الربح المنتظر ومعدل الربح الممكن والفعلي، ما حدا بالتجار الى رفض البيع، وبالزبائن الى رفض الشراء بالاسعار المعروضة وخصوصاً الشقق الكبيرة. اما الشقق الصغيرة فتشهد اقبالاً عليها". واضاف "ان الركود الحاصل اثر في انخفاض القيمة الفعلية الى نحو 40 في المئة منذ عام 1995، ولم يزل يقاوم حتى الآن". وعن أسباب تراجع عمليات البيع والشراء في السوق العقارية؟ قال "اهمها المبالغ الكبيرة التي دفعت لتسوية المخالفات، والتوقف عن دفع سندات مستحقة من الزبائن، وتوقف المصارف عن اعطاء التسهيلات المصرفية لاصحاب المشاريع، وزيادة اسعار مواد البناء، وتراجع عمليات الشراء من المستثمرين الاجانب"، مشيراً الى ان "الاستثمار العقاري يحتاج الى نحو 10 سنوات ليصبح استثماراً مهماً ذا نتائج فعلية اذا توافرت المعطيات لانقاذ السوق من حال الركود". واذ تفيد احصاءات اجرتها مصارف ان عدد الشقق غير المبيعة نحو 80 ألف شقة تقدر قيمتها بنحو 8 بلايين دولار، فان شمص قال ان "عددها يفوق ال100 ألف شقة"، مشيراً الى ان "القروض التي اعطتها مصارف خاصة لا بأس بها". ويتفاوت القرض بين 15 ألف دولار و250 ألفاً، وتطبق على القرض فائدة تتفاوت بين تسعة في المئة و11 في المئة. اما مدة التسديد فهي بين سبع سنوات وعشر، بدفعات شهرية متتالية تقتطع مباشرة من راتب الموظف لدى المصرف. ويتوجب على المقترض ان يسدد 30 في المئة من قيمة المسكن وان يفوق دخله الشهري ثلاثة اضعاف قيمة القسط الشهري، وان يكون موظفاً منذ خمس سنوات او ان يكون صاحب مهنة حرة ويقدم الضمانات الآتية: تأمين عقاري درجة اولى على المسكن موضوع القرض، وتحويل الراتب الى البنك مع تفويض خطي باقتطاع قيمة القسط الشهري، واجراء عقد تأمين لمصلحة المصرف على المسكن تشمل مخاطر الحريق والكوارث الطبيعية ويغطي نسبة 135 في المئة من قيمة القرض. وعما اذا كان خفض رسم التسجيل يسهم في تحريك السوق؟ قال شمص "تبين انه فعلاً اسهم في تحريكها نوعاً ما على رغم الانكماش. فهناك مشاريع تضم 576 شقة ضمن 19 مبنى، بيعت اقسام كبيرة منها لزبائن غير لبنانيين بعد خفض رسم التسجيل، اضافة الى ان الخفض دفع بالزبائن الى تسجيل الشقق في الدوائر بعدما كانوا يشترونها بموجب عقود بيع ممسوحة تجرى لدى الكاتب العدل". وعن اسعار امتار البناء في لبنان اوضح انها تختلف بين منطقة واخرى وفي نوع البناء ومواصفاته، لكنها تتفاوت بين 300 دولار و1500 دولار. وأشار الى ان هناك كثيراً من الدعاوى لدى القضاء بين تجار بناء وزبائن اسباب معظمها اخلال بالعقود لجهة عدم الدفع والمواصفات والعسر في انجاز الشقق.