استمرت تداعيات أزمة الناصرة هذا الأسبوع مع وضع حجر الأساس لبناء مسجد بالقرب من كنيسة العذراء وتنفيذ الكنائس المسيحية قرار الاضراب ليومين احتجاجاً على سياسة اسرائيل الرامية الى "تحريض وزرع الانشقاق بين السكان". وحاولت جهات فلسطينية وعربية مسلمة ان تضع حداً للتدهور الحاصل فاقترحت على اللجنة التي أطلقت على نفسها اسم "لجنة الأوقاف في الناصرة" ان تختار موقعاً مغايراً لبناء المسجد حتى لا تُستفَز مشاعر المسيحيين. واعتبر المفتي الشيخ عكرمة صبري بناء المسجد مضراً لأنه يجسد سياسة الحكومة الاسرائيلية التي تهدف الى زرع الفتنة بين ابناء الشعب الفلسطيني. ولكن الجهود الطيبة لم تسفر بعد عن نتائج ايجابية في حين تزداد حدة التوتر حول ازمة الناصرة. واستطاعت اسرائيل خلال السنتين الماضيتين ان تقنع بلدية الناصرة والكنائس المسيحية بأنها تقف الى جانبها في موضوع بناء المسجد على أرض "مقام شهاب الدين" بالقرب من الكنيسة في حين انها اوصلت رسائل مناقضة لذلك تماماً الى المعتصمين الاسلاميين في الأرض، خصوصاً بعد ان سمحت لهم بمخالفة كل القوانين والبقاء في وسط المدينة بالرغم من مطالبة البلدية المنتخبة بإخلائهم. وانتهزت السلطات الاسرائيلية مواسم الانتخابات البلدية والبرلمانية الاخيرة لتزيد من الشرخ الطائفي والسياسي - الاجتماعي عن طريق الاتفاق مع الاحزاب السياسية المعارضة كل على حدة بهدف كسر وحدتها التمثيلية للأقلية العربية واعطائها الوعود الكاذبة بخصوص المستقبل. ووصل الى مكان الاعتصام وزراء عديدون ليعلنوا عن تفهمهم لمطالب الاستفزازيين. وفي غياب مرجعية وطنية وتمثيلية للأقلية العربية في اسرائيل تمكنها من احتواء مثل هذه الازمات، وفي ظل انعدام التنظيم القومي الذي يرفض التصنيفات الطائفية والنزاعات الدينية، وجدت اسرائيل في الناصرة أرضاً خصبة لزرع بذور الفتنة ولتحريض سكانها وطوائفها بعضهم على بعض. وكانت الهوية الوطنية والقومية العربية في اسرائيل قد عانت كثيراً بسبب اتفاقات اوسلو التي رمت بالأقلية الفلسطينية فلسطين 1948 في احضان اسرائيل وخارج اي مفاوضات حالية او مستقبلية مما ادى الى ضعف الانتماء القومي والوطني واندفاع باتجاه "الأسرلة" او التهميش في المجتمع الاسرائيلي، او باتجاه الطائفية والعشائرية لتصبح الطائفة او الجهة الصهيونية المعنية هي المرجع وهي التي تعرف هوية المواطن العربي في اسرائيل. وعوضاً عن ان يكون العرب مواطنين متساوين مع اليهود الاسرائيليين وأقلية عربية معترفاً بها ثقافياً وسياسياً، اصبحوا عرضة لسياسة "فرق تسد" الاسرائيلية التي تهدف الى اضعافهم سياسياً وثقافياً بعد ان صادرت اراضيهم وضربت اقتصادهم وفصلتهم عن جذورهم الفلسطينية والعربية. وبهذا المعنى يبقى اقتراح تشكيل مجلس مسيحي - مسلم، ووساطة فلسطينية وإضراب كنسي مجرد اجتهادات محدودة لا تغني عن تنظيم الاقلية العربية على اساس قوي ووطني. وهذه مهمة تتطلب هيئة سياسية عليا، وجامعة عربية وإذاعة ومناهج تدريسية وأطراً ومؤسسات مماثلة.