منذ اكثر من ثلث قرن وعمر الشريف حالة خاصة في السينما العالمية: انه النجم الكوزموبوليتي بامتياز، المرتحل بين بلد وبلد، بين سينما وسينما. فهو من دوره الكبير الاول في السينما العالمية في "لورانس العرب" الى دور القسيس في "فوق حصان شاحب"، الى ادوار متنوعة تصعد وتهبط في افلام ايطالية وفرنسية واميركية، افلام قام فيها حيناً بدور عاشق لاتيني، وحيناً بدور امير شرقي، وغالباً بدور فتى احلام احلى النساء، عرف كيف يجعل لنفسه حضوراً سينمائياً يقف خارج التصنيف وخارج التحليل المنطقي ايضاً، حضوراً كان من التنوع والتشتت - كما قد يقول البعض - بحيث انه حرم عمر الشريف من تلك الوحدة في التنوع والاستقرار الجغرافي، وهما العنصران اللذان اعتادا ان يكونا مكانة الفنان التراتبية في عالم هذا الفن الصعب، ويحققا له بالتالي شتى ضروب التكريم والجوائز. فالملفت في مسيرة عمر الشريف ان اياً من ادواره لم يتح له ان يحظى بجائزة كبرى في اي مهرجان، او بتكريم خاص في اية مناسبة. فهو لئن كان كُرّم في احيان كثيرة فإنه كُرّم لشخصه وقفزاً فوق ادواره. وليس هنا، بالطبع، المكان الأصلح لتحليل هذه الظاهرة. هنا نريد فقط ان نُحييّ تلك المبادرة التي اقدم عليها مهرجان القاهرة السينمائي عبر تكريم عمر الشريف تكريماً خاصاً يليق بمكانته، ولكن خاصة بالعديد من الادوار المميزة والخالدة، التي لا بد من ان نقول انها - وهنا تكمن المفارقة - تنتمي في معظمها الى تاريخ السينما المصرية، لا الى تاريخ السينما العالمية. اذ على الرغم من حضور عمر الشريف في بعض اروع الافلام العالمية - وحسبنا ان نذكر "دكتور جيفاغو" و"فتاة مضحكة" و"جنكيز خان" و"سقوط الامبراطورية الرومانية" و"الرولز رايس" …الخ -، فانه نادراً ما لفت الانظار في هذه الافلام كممثل، ليظل حضوره كنجم وكدور هو الطاغي. وربما كان دوره الكبير في "دكتور جيفاغو" الاستثناء الوحيد، ومع هذا كان اهل السينما من الجحود تجاهه بحيث لم يلتفتوا الى عمر الشريف حين وزعوا على هذا الفيلم "اوسكارات" لا تنسى. في المقابل، عرفت السينما المصرية كيف تعطي هذا الفنان الكبير ادواراً خالدة من "صراع في الوادي" ليوسف شاهين الى "المواطن مصري" لصلاح ابو سيف مروراً ب"في بيتنا رجل" لهنري بركات، و"احنا… التلامذة" لعاطف سالم، و"نهر الحب" و"ارض السلام"… الى آخر ما هنالك من افلام عرف حضور عمر الشريف فيها كيف يضيئها. من هنا، هل كثير ان نرى في تكريم مهرجان السينما لهذا الفنان العالمي - بالمعنى الحرفي للكلمة - تكريماً لدوره الكبير في الارتقاء بفن التمثيل في مصر، واحتفالاً بأدواره الكبيرة في السينما المصرية، اكثر منه احتفالاً بحضوره "العابر" - على اكثر من صعيد - في سينما عالمية كانت جاحدة تجاهه على الدوام؟ "عين"