الدكتورة مكاري الغمري من الوجوه البارزة في كلية الألسن في القاهرة، إذ فازت بجائزة الملك فيصل العالمية. تخرجت الغمري في كلية الألسن عام 1967، وكانت الأولى في دفعتها وكليتها بتقدير ممتاز، وعينت معيدة بين عامي 1967 و1969، ثم سافرت الى الاتحاد السوفياتي في بعثة دراسية والتحقت بجامعة موسكو، وعادت إلى مصر عام 1973 لتتدرج في الوظائف الجامعية من مدرس الى مدرس مساعد إلى أستاذ الى رئيس قسم اللغات السلافية اللغتين الروسية والتشيخية، ومدير لشعبة الترجمة في غرفة رفاعة الطهطاوي لمدة ست سنوات. وتعمل حالياً استاذاً في القسم بعد إنهائها لفترة رئاسة القسم، وتقوم بالتدريس، والبحث العلمي في الوقت نفسه. الحوار التالي معها: حصولك على جائزة الملك فيصل العالمية يدل على الجهد الكبير الذي تقومين به، فهل هناك أهداف تضعينها امام عينيك وتحاولين الوصول إليها؟ - أحاول على رغم ضيق الوقت والأعباء، أن يكون لدي تصور لحظة علمية أعمل على أساسها، وهناك جزء من الوقت يقتطع في التدريس والإشراف على طلاب الماجستير والدكتوراه، لكنني أحاول بقدر الإمكان توزيع الوقت المتبقي بين الأعباء العائلية من ناحية لدي ابن وابنة تخرجا في الجامعة، والطموح في إنجاز عمل علمي سواء في التأليف أو الترجمة أو الاشتراك في احد المؤتمرات العلمية الدولية أو المحلية، وعملية تنظيم الوقت مطلوبة وضرورية، ومن دونها يصعب انجاز أي عمل. هل ما ترجم من اللغة الروسية الى اللغة العربية وفير أم نحتاج إلى المزيد في هذا المجال؟ - تمت ترجمة عدد من الكلاسيكيات المهمة من اللغة الروسية الى اللغة العربية، مثل المجموعة الكاملة لديستويفسكي. والترجمات من الروسية الى العربية قد لا يعرف كثيرون منا أنها تعود إلى نهاية القرن الماضي، وقد انجزت هذه الترجمات عن الروسية مباشرة، لأنه في تلك الفترة كانت توجد مجموعة من خريجي مدارس الإرساليات الروسية، خصوصاً في فلسطين حيث تخرج شباب عرب تعلموا اللغة الروسية، وكانوا اول من ترجم الادب الروسي الى العربية، ولكن - للأسف - توقف نشاط هذه المدارس، وحدث انقطاع نسبي للترجمة عن الروسية من بدايات القرن الى منتصفه، إلى أن ظهرت ترجمات الأدب الروسي عن لغات وسيطة. وفي حقبة الستينات والسبعينات قامت دار نشر "التقدم" بنشاط مهم في موسكو، وكنا نحصل على ترجماتها اثناء معارض الكتاب التي كانت تقام في القاهرة، وساعد هذه الدار مستشرقون وكوادر عربية في تقديم عدد كبير جداً من روائع الادب الروسي مترجمة الى العربية، ومع ذلك اعتقد أن ما قدم من ترجمات من الروسية الى العربية يعد قليلاً، وهناك احتياج كبير في هذا المجال لا سيما للادب في الفترة السوفياتية التي قدمت اعمالاً كثيرة، بعضها كان محظوراً نشره وعاد للظهور في ال 15 سنة الاخيرة، وهذه الاعمال تحتاج الى من يترجمها ويقدمها الى القارئ العربي، فالفترة المعاصرة والحديثة من الادب الروسي ليست مقدمة بشكل كاف. نريد أن نتعرف إلى جهودك في الترجمة؟ - باكورة ترجماتي كانت في موسكو عام 1973، إذ ترجمت مجموعة من القصص لعدد من الكتاب الروس السوفيات، وكان عنوانها "نافخ البوق" ونشرتها دار "التقدم" الروسية، وهذه القصص موجهة الى الشباب وقدمت بعد ذلك ترجمات ومراجعات ترجمات لعدد من المسرحيات الروسية الكلاسيكية التي ظهرت في سلسلة "المسرح العالمي" التي تصدر في الكويت، ولي أيضاً ترجمات نقدية نشرت في مجلات عربية مختلفة، وفي أيار مايو الماضي احتفل المجلس الاعلى للثقافة في مصر، وكذلك احتفل العالم بمرور 200 عام على ميلاد اكبر شعراء روسيا "بوشكين" وقد صدرت لي في المناسبة مجموعة مختارات مترجمة من اشعار بوشكين مع مقدمة كبيرة عن حياته وانتاجه. هل تضر الترجمة عن لغة وسيطة مثل اللغة الانكليزية بالنص الأصلي؟ - هناك مثل قديم يقول "أيها المترجم أيها الخائن" ووصف المترجم بالخائن أتى من ان الترجمة في أحسن صورها لا تضاهي ابداً الاصل حتى مع احسن المترجمين، لأن لكل لغة خصائصها في التعبير وآلياتها وسماتها القومية التي يصعب أن تصوغها في لغة اخرى. ففي حال الترجمة الممتازة هناك فاقد ما وهذا الفاقد يتضاعف إذا كانت الترجمة عن لغة وسيطة، من هنا أنادي بالترجمة عن اللغة الأصل مباشرة ما أمكن ذلك، فهذا يقلل من الخسارة، ولا تصبح مضاعفة. ما الصفات التي ينبغي أن تتوفر في المترجم الجيد؟ - لا بد من إجادة اللغة التي يترجم منها، واللغة التي يترجم اليها، فلغة واحدة لا تكفي، وكذلك مطلوب من المترجم الامانة في نقل النص، كذلك تحتاج الترجمات الأدبية الى حس أدبي وليس الى مجرد المعرفة باللغتين، فهذا الحس الأدبي يجعل المترجم يستشعر المعاني خلف السطور، وما في النص الادبي من رموز وتخيلات، لأن النص الأدبي نص مكثف جداً، ولغته معقدة جداً. وتحتاج الترجمة أيضاً إلى تصور ومعرفة حضارية بالبلد الذي تنتمي إليه اللغة الأجنبية لأن كثيراً من هذه السمات الحضارية والقومية نجدها داخل الترجمة، فإذا لم يكن المترجم على معرفة بهذه الحضارة فمن الصعب عليه أن ينقل ما يريد. من أهم الكتب التي صدرت لك كتاب "مؤثرات عربية وإسلامية في الأدب الروسي" فهل لهذا الكتاب مكانة خاصة لديك؟ - أعتز به جداً، لأنني بذلت فيه مجهوداً، ومادته جديدة، وكنت أترك أسرتي لفترات متقطعة وأسافر للعمل في المكتبة المركزية في مدينة موسكو، وقد جذبني الموضوع منذ البداية، ووجدت فيه شيئاً يمكنني أن أقدمه للقارئ ليس العربي فقط وإنما أيضاً للمستشرق الروسي الاختصاصي.